يمشي على حافة مسطرة
كلما هبّت نسمة ناعمة
كسرت غروره .. وطيّرت قبّعته
وعرّت صلعته اللامعة ..
رأيتُ آخر يقتلع قلبه
ويضع مكانه «فلاشة» مساحتها 128 Gb
عليها قصائد لشعراء خالدين
وبعض القراءات النقديّة
وبعض الصور لنساء عاريات
رأيت آخر يستأصل زاويةً من دماغه
ويزرع مكانها شريحة plc
تستقبل من الأبجدية ما تيسر
وتحاول بخوارزميات مقروءة ضئيلة
أن تعطي أوامر حرفيّة ضئيلة إلى يديه الذابلتين
رأيت واحداً غيرهم
يقبّل صديقته في زاوية خفيّة من حديقة عامّة
يعود في منتصف الليل
يفرغ رغبته الحميمية المقدسة في دفترٍ خاص ..
رأيت آخر يمسك مصيدة ويركن في العشب
ينتظر غزالةً ما، لا يتحرك، لا يصدر صوتاً
أحياناً ينتظر أياماً وشهوراً
حتى تأتي الغزالةُ المسكينة
وتجلس في حضنه وتقول: كنت أبحث عنك..!
رأيت آخر يمتلك مرسماً في أحياء عشوائية
كلّما التمعت في رأسه صورة
ينهض كالمجنون
يطرش ألوانه في ورقةٍ بيضاء
ويعلّقها على باب بيته أمام أطفال مشردين يلعبون الكرة
رأيت واحداً يلاحق النساء
كما لو أنّهن الإلهام الأوحد الذي ينخره من عظامه
ويجعله سيد زمانه الرهيف الخلّاق
لكنه لا يستطيع أن يحب واحدةً منهنّ
خشية العار التاريخيّ الذي اخترعه
رأيت آخر ينوح ..
ينوح دائماً وأبداً
كلما حدث انهيارٌ في منجمٍ في البرازيل ينوح
كلما انفجر بركانٌ في إندونيسيا ينوح
كلما طلّق رجلٌ زوجته ينوح
لقد شاء أن يكون حزيناً نوّاحاً إلى الأبد ..
رأيت واحداً آخر
يجلس في مكتبة عريقة
يسحب من بين الرفوف أطراف خيوط التاريخ
والأنطولوجيا والميثولوجيا والأنثروبولوجيا
ويحاول أن يحيك كنزةً حديثة الهيئة
غير أنه يلبسها بالمقلوب
وتكون غير متناسقة، ومثقوبةً تحت إبطيه
رأيت غيرهم واحداً
يفكّر .. يفكّر .. يفكّر ..
ثم ينتصر بجملةٍ عظيمة السذاجة
ينتصر على القلق الوجودي الذي ينتابه منذ ولادته
رأيت شعراء كثر ..
ولم أعرف من الشاعر الحقيقيّ منهم
لكنهم جميعاً يحاولون أن ينتصروا
كلهم يحملون أثقالاً لا يطيقونها
كلهم يستمتعون بكونهم يحق لهم ما لا يحق لأحد
كلهم مثيرون للشفقة ..
يزن عيسى