نحافظ على مفردات الطفولة ، باعتبارها مرحلة هامة و حساسة ، و لحمايتها من المؤثرات السلبية الكثيرة في هذا الوقت، هذا العمل يحتاج لجهد جم من قبل العائلة ، ولاطلاع مستمر على متطلبات كل مرحلة عمرية و نفسية من مرحلة الطفولة البريئة، كل ذلك أملاً بتنشئة جيل سليم من العلل و الهنات، فلا يجوز السماح لأي تصرف سابق لعمر صاحبه، و لا يجوز إغفال بعض الحواجز سليمة النتيجة الموضوعة من قبل الوالدين احرص من في الوجود على فلذات أكبادهم.
تأخرنا
… كنا متأخرين عن موعد، فكنت أكثر استعجالاً لمن معنا، مع ذلك زاد انتظارنا ،و اكتشفت فيما بعد أن سبب ذاك الانتظار هو انشغال ذات العشر سنوات ببهرجة وجهها و تخصيل شعرها، بشكل عام و تسريحة شعر أكبر من سنها، التي ذكرتني بما أشاهده يومياَ من طالبات المدرسة في الصباح الباكر من مبالغة ظاهرة في تبديل ثياب المدرسة بغيرها تشبهها باللون و الشكل و لكن في الحقيقة لا تناسبهن عمريا و لا تشير إلى احترام المدرسة، لذلك انتهى لقاءنا كما ابتدأ بآراء مختلفة و متضاربة حول مكياج الأميرات الصغيرات و صوابيته .
الطفلات
لكن ! ما الذي تريده الصغيرات من ارتفاع مستوى أعمارهن فجأة؟ فالتسريحات و المكياج يدفعهن ليكن أكبر أم هو طموح بما لا يدركن؟؟ هذا ما دفعني لسؤال الأميرات و استنباط مبتغاهن . بعدما تفاجأت بأن صالونات التجميل لم تعد حكراً على السيدات البالغات.
أليسار،/17/ عاماً: دائماً أذهب أنا و مجموعة من صديقاتي إلى الصالون، حتى بدون وجود مناسبة، و كل منا تحاول اختيار الأفضل، و أرى أن الغيرة تلعب دوراً بين الفتيات ، فقد خربت تسريحة إحدى زميلاتي بعدما خرجنا من الصالون لأنها كانت أجمل من تسريحتي.
هيا،/10/ أعوام: أريد أن أظهر جميلة، فعند كل مناسبة أذهب إليها أطلب من أمي فستاناً جديداً، و يجب أن أسرح شعري بشكل مناسب، و أحب وضع الكحل ،و أرش العطر الذي أحب رائحته.
تالا،/15/عاماً: دائماً يجب أن تكون هنالك تسريحة جديدة و ثياب مناسبة، لكن أزور صالون التجميل قبل أي حفل،لأن التسريحة تتطلب زيادة في الإتقان و موظفة التجميل في الصالون ماهرة بعملها . أي فتاة ترغب بأن تكون جميلة، و لا أرتب نفسي في المناسبات فحسب .
من صالون التجميل
(ص) صاحبة صالون تجميل للسيدات قالت : فعلاً في الفترة الأخيرة ازدادت ظاهرة اصطحاب السيدات لبناتهن إلينا، و بعض الأمهات تطلب تزيين البنات قبلهن،و أراهن سعيدات بما يشاهدن، و ترى الصغيرات متطلبات أكثر من أمهاتهن و أحياناً لا يرضين بما ترضى به السيدات ، و مع أن هذا عملي لكن لا أخفي انزعاجي من تزيين الطفلات بهذه الطريقة ، و أنا شخصياً لا أصطحب ابنتي إلى عملي لقضاء يوم معي،لأن وجودهن في اجتماعات أكبر من أعمارهن يشكل ضغطاً نفسياً عليهن تظهر نتائجه فيما بعد بردات فعل عنيفة أو رفض لأوامر الوالدين، كما أن وجودهن بين السيدات يحد من حرية عملي.
قال الأهل
عند سؤال مجموعة من الأهل ، كانت النسبة العظمى ترفض «تزيين» الطفلات و خاصة الآباء الذين أرجعوا باللائمة – عامة- على الأمهات اللواتي يسمحن بهذا الفعل الذي يشوه معنى الطفولة و براءتها ، و أما بالنسبة للطالبات فالاهتمام بالشكل الخارجي بشكل مبالغ فيه يشكل هاجساً لدى الفتاة على حساب وظيفتها الأساسية كطالبة، و أكدوا أن الأم هي الأقرب للفتاة و دائماً في سنوات الطفلة الأولى تكون الأم أيقونة لها، فتقلدها و تكون راضية عن تصرفاتها داخلياً لأن ما تتصرفه الوالدة هو الصواب. و كان الأهم في أحاديثهم تأكيدهم على ضرورة أن يعيش الطفل بما يناسب مرحلته، و عدم إقحامه بما يهدم الهدف الأساسي و الطبيعي من الانتقال من مرحلة إلى أخرى. و قد أشاروا إلى التأثير السلبي لما يعرض على بعض القنوات الفضائية من فيديو كليب أو برامج أخرى يتم فيها تقديم العنصر النسائي بشكل جمالي مقصود ، فهذا فخ تقع فيه معظم بناتنا في هذه الأيام.
استشارة اجتماعية
فاتنة عطا الله ، الاختصاصية التربوية و خريجة علم النفس ، قالت : لا شك بأن عوامل عديدة تتحكم بهذه الظاهرة و أهمها غياب رقابة الوالدين ، و لا يخفاكم ما يمارس علينا من غزو إعلامي من خلال معظم القنوات الفضائية التي تبث إلينا، كل ما ذكرناه و غيره يدفع تلك الأمهات و تلك الفتيات إلى فكرة التقليد الأعمى و الغيرة أيضاً فالصغيرات يقلدن أترابهن بالتبرج و الأمهات يدفعن بناتهن لذلك انطلاقاَ من فكرة تغير الزمن السريع و مواكبة الموضة, لكن الأخطر بهذا الموضوع أن كل تلك التصرفات و مع الزمن تصبح جزءاً من السلوك الاجتماعي الذي يضع الفتاة الصغيرة في قالب اجتماعي غير مناسب لها لا عمريا و لا نفسيا و بالتالي شكلاً عاماً غير مرغوب فيه،و لعلك تشاهد أن المشكلة بالأساس تبدأ عند الأمهات، لذا يجب التوجه لتوعية الأم بخطورة الموضوع و أهميته ، خاصة عندما لا تجد الفتاة من يرشدها فهي ستتمادى بتصرفاتها ، و لعلمك و بعد نقاش مع أحد أطباء الجلد أكد ضرورة منع الفتاة من استعمال المكياج قبل سن الثامنة عشر لأنها يحتوي على مواد كيماوية ضارة و بعض المعادن الخطرة التي من الممكن أن تتفاعل مع الجلد و تشكل تصبغات تشوه الوجه، و المكياج في السنوات المبكرة يسد المسام و يمنعه من طرح الفضلات و الأوساخ من خلال التعرق، إضافة إلى ضرورة منع المكياج حتى عند السيدة البالغة أثناء فترة الحمل.
المحرر
تبين الدراسات و الآراء المتعاقبة ، بأن المرض الاجتماعي أخطر من المرض الشخصي أو الجسدي ، و لاشك بأن مكياج الأميرات الصغيرات ما هو إلا مرض اجتماعي دافعه الأساسي الغيرة و التقليد ، و أساسه الجهل و عدم تقدير العواقب و النتائج ،و تبقى الدائرة الأصغر و الأضيق دائرة الأسرة، هي أنجع الأطباء للتحصين من معظم الأمراض الاجتماعية ،و هذا ما تهتم به الدراسات الاجتماعية بالمجمل، و إن التخفي وراء هذا القناع الهزيل يدل على خلل في الشخصية لأنه تزييف باد للعيان عن شكل أساسي، أو خطأ شكلي بنظر صاحبه، هذا الخطأ الذي ممكن أن يكون علامة مميزة و جميلة، ذلك التخفي الظاهر يعبر أيضا عن تخفٍ داخلي مدفون .و بالنهاية الطبيعة و الظهور بها أجمل الحقائق و أنصعها ،فكم جميل أن ترى ذاك الوجه نظيفاً يعكس ما بداخل صاحبه من حب و شفافية ، و للعلم بأن دراسات الفنون و التجميل تحض على استعمال المكياج بشكل خفيف و بخطوط ناعمة، و الأهم أن يكون اختيار الألوان مناسباً للون البشرة و الشعر و متناسباً مع الخطوط التي سترسم به أو المساحات التي سيغطيها ،و يبقى المثل القائل ( لولا علبة مكي الحالة بتبكي ) هو تبرير صريح لاستعمال تلك المساحيق الكاذبة، التي أرى عدم وجودها أفضل من تواجدها .
شريف اليازجي