الجــار قبــل الــدار بــين المــاضي والحــاضـــر

لا تزال قصص الأهل عن الجار في الزمن السابق عالقة في أذهان الكثير منا، حيث كانت العلاقات مبنيّة على التعاون والحرص والتكافل والمحبّة والوئام والتضحية.. إلخ من القيم والخصال الحميدة التي عرفناها وتربينا عليها، وكانت روح حسن الجوار تعم ، حيث أوجب للجار حقوقاً وواجبات كثيرة، أما اليوم فقد تغيرت العلاقات الاجتماعية بين الجيران واختلفت بشكل كبير ولأسباب مختلفة. 

فما الذي تغير وكيف باتت حياة الجيران اليوم ؟

تقول أماني «في هذه الحياة تغير كل شيء الكل أصبح يهتم بنفسه وعيشته ويتناسى العلاقات الخاصة والعامة، حتى الجار الذي كان يشارك جاره في كل شيء أصبح اليوم بعيداً حتى في وقت الشدائد والأزمات إنها وبحسب اعتقادي مغريات الحياة المتزايدة التي غيرت النفوس ودمرت علاقاتنا الانسانية».
كان الجار يؤمن جاره على ماله وداره وحتى على أولاده فكثيراً ما كنت أؤمن جارتي على بناتي حين أضطر للغياب عن المنزل . لقد كانت العلاقات مبنية على الثقة والإخلاص والحب المتبادل في ذلك الزمن لم نكن مجرد جيران فكل العوائل هم أقاربي.
هذه الثقة من المستحيل أن تجدها اليوم في مجتمعنا لقد تبدل كل شيء وتغير، وانتهت أواصر الأخوة وانعدمت الثقة بين الجميع.
سنوات الحرب
تقول أم محمد التي تقارن بشيء من الانزعاج ما بين جار الأمس واليوم العلاقة بين الجيران أصابها شيء من الضعف والفتور بسبب تأثرها بالمصالح والماديات التي طغت على كل على شيء، ففي الأمس القريب كان الجيران عبارة عن عائلة واحدة يجمعها الحب والأخوة، خصوصاً في أيام المحن والحروب التي مرت بنا في السابق، ولعل القصص والشواهد كثيرة على ما أقول. ومنها أننا في أيام الحصار كنا نتقاسم رغيف الخبز مع جارنا وكانت عوائلنا تجتمع في بيت واحد ، وكنا نقدم لبعضنا الدعم والمساعدة.
أما اليوم فقد تغير هذا الأمر كثيراً ففي كل يوم مشكلة بسبب الأولاد حتى أن بعض هذه المشكلات ولأسباب بسيطة قد لا تستحق أن تصل إلى هذا المستوى والسبب هو عدم تحكيم العقل وتذكر حقوق الجار شيء مؤلم حقاً ان تموت في داخلنا معاني الإنسانية.
منذر يرى أن العنف المتزايد كان له أثر كبير في تدهور العلاقات وقد اختلفت العلاقات بين الجيران وقلّت أواصر الارتباط بين الجميع، ولأسباب مختلفة ترتبط بالظروف التي نعيشها وما مر بنا من ويلات وحروب يضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة، فهذه الأشياء أسهمت بخلق مجتمع عنيف غير قادر على التواصل والعطاء، فرب الأسرة وبسبب انشغاله المتواصل في العمل ابتعد وبشكل تدريجي عن الاختلاط مع الجيران وهو ما أثر على تربية الأولاد الذين ابتعدوا مع ابتعاد الأهل.
كان يا ما كان
تقول الآنسة سحر إن الجار اختلف عما كان عليه منذ 15 عاماً تلك الأيام كانت جميلة ورائعة للجميع كانت القلوب طاهرة ومملوءة بالحب، هذا الوضع تغير بشكل كبير في زمننا الحالي وأعتقد أن أهم اسباب التغير هو الحالة الاقتصادية المتأزمة التي أثرت بشكل كبير على الأجيال.
تلك الأرواح الطاهرة غيرتها سموم كالغش والخداع والكذب والرياء والغيبة.. الخ من الأمور الأخرى، هي اليوم أساسيات في جميع معاملاتنا اليومية خصوصاً تلك التي ترتبط بمصادر الرزق والمعيشة.
منير عمران يرى أن التقنيات الحديثة والأجهزة المتطورة أسهمت بشكل كبير بإضعاف العلاقات الخاصة بين الجيران، فقد تأثر الجميع بتقنيات العصر المتطورة التي أصبحت جزءاً مهماً من حياتنا اليومية، فمنذ دخول الستالايت والإنترنت والهواتف الذكية، ابتعد الجار عن جارة وانشغل بما لديه من أجهزة وتقنيات، بل إن الكثير منهم قد تأثر بما يشاهده من مسلسلات وأحداث وأصبح يطبقها على أرض الواقع.
نورا تقول عن الجيران نعم الكثير من الأشياء والعادات السابقة تغيرت اليوم أو تلاشت إلى حد ما بسبب انحدار المجتمع الذي أصبح يطبق بعض العادات الدخيلة والمكتسبة، فأنا أتذكر سابقاً أن للجار حصانة وله تقدير كبير، كان الحياء والخجل يسيطران على الشباب عندما تمر بنت الجيران التي كانت تعتبر أختا للجميع. وتضيف أما اليوم فهذه الحالة ربما قد تكون قليلة مع جيل الشباب المراهق الذي يتفاخر ببعض السلبيات والأخطاء حيث لم يعد الجار يعرف من يسكن إلى جانبه في المسكن المقابل.
قيم مفقودة
يمكننا القول إن الكثير من القيم التي كنا نتلقنها في المدارس لم تعد موجودة فقد ابتعد المعلم عن المجتمع بشكل كبير واكتفى بتطبيق واجباته المعروفة فقط وهي إعطاء الدروس المنهجية دون أن يكون هناك توجيهات ومحاضرات تتحدث عن القيم والأخلاق السائدة في المجتمع.
هذا ما نلاحظه ونلمسه من أغلب المعلمين والمدرسين، وقد نعذرهم بذلك أيضاً بسبب بعض القوانين والتشريعات الخاطئة التي قيدتهم وحجمت دورهم المهم، سابقاً كان المعلم يسعى إلى إعداد الطالب خلقياً وعلمياً وكان يتابع ذلك مع الأهل، باعتقادي أن المدرسة هي الركيزة الأساسية لبناء المجتمع وإعادة العلاقات السابقة فهي أساس لتربية الأجيال.
المربي سامر يقول : علينا اعتماد ونشر ثقافة الحب والتعاون من خلال تسخير وسائل الإعلام المحلية واعتماد برامج يومية أو أسبوعية بهذا الخصوص، ونشر بوسترات وملصقات خاصة تحمل في مضمونها مايقرب بين الجيران من خلال التعريف بحقوق الجار وأهميتها هذا بالإضافة إلى طبع بعض الكتب الخاصة بهذا الشأن وتوزيعها بشكل دوري ومستمر على الأهالي، وعلينا إشاعة روح التعاون ونبذ العنف بين أفراد المجتمع من خلال اعتماد مناهج دراسية خاصة لطلبة المدارس وإشراكهم بدورات تعليمية مستمرة الهدف منها خلق جيل متسامح قادر على التغير والقيادة.
ازدهار صقور

 

المزيد...
آخر الأخبار