دعتني الجروح يوماً إلى مائدة الأسى ظناً منها أني أتلذذ بالألم، أبى كبريائي ألا يقبل الدعوة.
ذهبت والجروح تلفني من رأسي حتى أخمص قدمي، قرعت الباب ليفتح الأسى مرحباً ثم أراد أن يجلسني قربه لكن الجروح أجلستني مرغماً على كرسيها ننتظر كي تجهز المائدة ويبدأ حفل استقبالي.
ولكم كانت فرحة الجروح عارمة عندما رأت الشجن والدموع يضعان أصناف الألم في أطباق ليضعاها أمامي, فذاك ألم الفراق, وذاك ألم الخيانة وذاك طبق من ألم الجسد وطبق من ألم الحنين وأطباق أخرى كثيرة إلا أن الطبق الأساسي لم يكن قد جهز بعد, وبعد هنيهة جاء الحزن والأسى يساعده بالإضافة إلى الشجن والدموع يرافقهما ليضعوا طبقاً من ألم الروح فرفعت الجروح يديها بالتصفيق مهللة بالذوق الرفيع للأسى في الدعوات.
مالبث كبريائي باعتباره الضيف أن مد يده يتذوق كافة الأصناف الموجودة على المائدة حتى أتخم كياني بكليته وقام عن المائدة مباركاً.
عدت إلى البيت أقرع الجرس بعد أن غيبت أقداح السموم التي شربتها البصر والبصيرة ليفتح الباب أشلائي المبعثرة خوفاً وقلبي المفتوح من غرز الإبر ودمي الذي يسيل على أنحاء ضلوعي فأرتمي بينهم فاقد الوعي.
ولكن عندما جاء الصباح وعاد الوعي وانتهت آثار حفلة الأمس نهضت من الفراش من جديد لأجد الجروح تنتظرني بالباب لتدعوني مرة أخرى على عشاء آخر على مائدة الأسى.
محمود دياب ناعم