عبارة (الأدب العالمي) ملتبسة، فهل تعني الأعمال الأدبية التي تم تداولها خارج نطاق المجال الثقافي واللغوي الذي أنتجت فيه ؟!.
أم تعني الأعمال الأدبية التي تتناول قضايا إنسانية عامة عابرة للثقافات واللغات ؟!. أم تعني الأعمال الأدبية التي يرى بعضهم أنها تجاوزت المحلية ؟!.
أم أنها تعني، ببساطة شديدة، جملة الأعمال الأدبية المنتجة في اللغات والثقافات الإنسانية عموماً أم أنها، وهو الرأي السائد للأسف الشديد، تلك الأعمال الأدبية التي نالت (شرف) الاعتراف بها من قبل بعض المؤسسات الغربية التي تمنح الجوائز وصكوك الشهرة لمن يلتزم بالمعايير والرؤى التي وضعتها تلك المؤسسات ؟!.
علماً بأن تلك المعايير والرؤى لا تنبع من ضوابط جمالية صرف، فالعوامل السياسية تؤثر بصورة فاقعة بقرارات تلك المؤسسات إلى الدرجة التي لم تعد تحتاج معها إلى إثباتات، كما تخضع تلك المعايير إلى ذوق المتحكمين في الدراسات النقدية والأدبية في الغرب، الذين يملكون (الرسمال الثقافي الرمزي) الذي يقوّم آداب الآخرين، بحكم امتلاكهم (للرسمال المالي)، حيث يعمل الرسمالان كلاهما في سبيل الهيمنة على العالم ثقافياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً .
بعبارات أخرى أقول: إن نظرية الأدب الغربية، ومدارس النقد الغربية، تنبع من مقولات المركزية الأوروبية.
والصرعات النقدية الغربية التي تتالت علينا عبر الترجمات، وعبر بعض المبهورين من الذين درسوا في جامعات الغرب ومريديهم وطلابهم، هي من صنع الثقافة الغربية المهيمنة، مثلها في ذلك مثل المقولات الغربية الأخرى التي تتحكم في المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية …… ومن هنا يمكن أن نفهم السبب الذي يدفع كثيراً من الأدباء والنقاد العرب إلى تقليد الأدب الذي ينتج في الغرب ومحاكاته …. بدل مضارعته ومنافسته والحوار معه.
مع أن الدراسات الموضوعية قد أثبتت أنه ما من أديب من أدباء دول الجنوب ( دول الأطراف) حاز اهتماماً خارج نطاق لغته وثقافته إلا إذا انطلق من بيئته المحلية ومثّلها أصدق تمثيل.
وعندما يدقق الباحث المنصف يجد أن العظمة التي حظي بها الأدب الغربي لم تكن نابعة من قيمته الذاتية دائماً، وإنما من القوة والهيمنة التي تتمتع بها الدول الغربية، في أوروبا وأميركا الشمالية.
ويسخر أحد كبار النقاد الهنود من التراتبية التي تصنف بموجبها آداب الأمم والشعوب قائلاً: لو أن الهند هي التي غزت أوروبا وهيمنت عليها وكانت بحالة من القوة كتلك التي تتمتع بها الدول الغربية … لكان الأوروبيون قد نظروا إلى تراثهم الأدبي نظرة دونية، وربما تبرؤوا من هوميروس ودانتي وشكسبير ووصفوا أعمالهم بالهمجية والبدائية والانحطاط.
أرجو ألاّ يظن أحد أنني أنحاز إلى جانب الإقليميين من الدارسين والنقاد الذين يشتغلون في مجال الأدب المقارن، ممن وزعوا النتاج الأدبي على أسس جغرافية، لأن هؤلاء قد وقعوا في مطبات عديدة منها تفتيت التراث الأدبي العربي الواحد إلى تراث أقاليم ومناطق.
ومنها مضاهاة الآداب العالمية المعاصرة بالأدب العربي القديم .
بينما المفروض أن تتم مضاهاة الأدب العربي المعاصر بالآداب العالمية المعاصرة أيضاً، نعم قد يكون أدبنا العربي القديم مهماً في تراكم رأسمالنا الرمزي والثقافي، ولكنه يغدو من دون قيمة حقيقية إذا لم يشكل حافزاً لتخطيه وتجاوزه وتطويره، شرط أن يتم ذلك انطلاقاً من أصوله وتميزه.
محمد راتب الحلاق