يعد الخير من أهم القيم الإنسانية التي اهتمت بها الشعوب، ولكن ومع مرور الزمن بدأ هذا المفهوم بالتشوه عند البعض ، وبدأ يصيبه الصدأ فقد بات يعبرعن رغبات وأهواء شخصية تعتبر مقياساً لوجوده .
فالخير لغة هو ضد الشر ،وهو الحسن لذاته، ولما يحققه من نفع وسعادة، أما فلسفة فهو يطلق على اللذة والسعادة وأحياناً على ما هو حسن و نافع، وهو القيمة العليا التي تعود إليها كل القيم كالعدالة والسعادة والجمال ،وقد أدخل أفلاطون قيمة الجمال على هذا المفهوم (الجمال هو بهاء الخير) أما أرسطو فاعتبره أنه ما تسعى إليه الأشياء جميعا.
أما في مجتمعنا فقد اعتبر الخير أساس الأخلاق فهل حافظ على جوهره ومعناه،؟ أم أنه بات كالحرباء يتغير معناه وفق المصلحة الشخصية والأهواء، فلم يعد يحمل ذلك المعنى والقيمة السامية كما كان ،بل إن هذا الزمن قد نال بما ناله من النفوس الضعيفة ،فبينما كان الخير بعيداً عن الأنا ، ويسعى لسعادة الـ (هو)،بات اليوم مشوهاً مرتبطاً بما يتحقق عند البعض من مصالح شخصية فالبعض يرى أن الخير مرتبط بمقدار ما تجني من مال، فجني الأموال خير ، وهذا تعبير لم يكن موجوداً، كما أن البعض يرى في إعانة فقير وإعارته لبطاقته التأمين الصحي هو مساعدة له إذا هو خير لكنه ليس كذلك ، إنه جهل ،عليك أن تجد طريقاً لإسعاد غيرك وتحقيق الخير دون أن تلحق أذية بمجتمعك أو بمؤسسات الدولة ،يجب أن يكون الخير للجميع وبعيداً عن الأذى لأي كان ، وأثناء استعراضنا لبعض الآراء التي مثلت شرائح عمرية وثقافية مختلفة وجدنا أن هذا المفهوم يتقاطع عند الكثيرين منهم ولكنه يدل على أنه بمفهومه السامي مازال موجوداً، فكان رأي إحدى المسنات من غير المتعلمات أن الخير هو الخير لا يتغير لابزمان ولا بمكان فهو كل ما فيه خير للجميع من أبناء وأحفاد وأقرباء وأصدقاء، أما المسن فقد رأى أن الزمن قد أكل وشرب على هذه الكلمة التي اعتبر أنها لم تعد موجودة ،وأن الخير ارتبط بالأنانية، وفي الضفة الأخرى كان للرجال رأيهم.
فقد رأى أ. ماهر أن الخير عنده هو أن تزرع الخير في كل مكان دون انتظار الشكر والثناء على ما قدمته من خير ولو كان في غير محله فربما في يوم من الأيام سيعود عليك أضعافا مضاعفة
أما أ. غادة فكان معنى الخير عندها جميلاً فهي ترى أنه فعل فطري لكل إنسان نقي، وله صور مختلفة مثل إطعام الطعام والمواساة أثناء المرض ومساعدة الفقير ، ومساندة الضعيف وكف الأذى عن الطريق ومراعاة الجار وهي قيم نراها مازالت موجودة في مجتمعنا .
وما استوقفني رأي لإحدى الشابات والتي رأيت فيها المستقبل الذي بحاجة إليه البلاد فقد أجابت الشابة حياة عند سؤالي لها ما هو مفهوم الخير عندك؟
أجابت: يتغير مفهوم الخير من شخص إلى آخر، قد يعني غياب الشر لدى البعض، أو غياب الضغينة، و قد يجمع البعض على أن فطرة الإنسان خيّرة، ليحتج آخرون على تلك الفكرة فلو أن الإنسان فُطِر على الخير لم تكن لتوجد كل تلك الشرائع والعقائد التي تسنّ بنوداً تدعو إلى عيش الخير والمحبة..
في الكفة الأخرى، أثبت بعض العلماء أن الإنسان يمكن أن يولد مجرماً بطبيعته بينما رفض فلاسفة وعلماء آخرون هذه الفكرة مصممين على أن المجتمع يحوّل الصالح إلى مجرم.
في تصوري الذي لا يزال قيد الحياكة، أرى أن الفطرة التي تبعث معنا منذ اللحظة الأولى تتأثر بشكل لا يمكن تجاهله بالمجتمع والمحيط.
فالبيئة اليوم تخلط الحق بالباطل ليحمل المجرم راية الخير و يصرخ مناصراً لقيم لا تمت للخير بأدنى صلة بل وتشوهه.
وإذا أردنا العودة إلى مفهوم الخير البكر، الذي يولد بولادتنا صافياً يمكن أن نلتمس به الحب والمشاركة، سعادة العطاء، هبةٌ تمنح لنا وتعطينا الكثير، وقد تختلف معانيه تبعاً لكل نفس، فأراه بعيني مثلاً أنه طريق الحقيقة التي يسلكها الإنسان للوصول إلى ذاته، أو أنه الكمال الذي لن يبلغه الإنسان، يسعى إليه ولا يطوله لأنه سبق و ألقي به في عراك المجتمع الذي يخلط القيم ويمحي تصنيفها فتبدو الحقائق هائمة، شائكة، تختلف من وعي إلى آخر، وحتى لو عرف تصنيفها وأدرك شرور أفعاله لفعلها على أية حال، فهذا ما يميزنا كبشر، الوعي والإرادة والغريزة التي قد تدفعنا أحياناً إلى شفير هاوية نحن بغنى عنها. على اختلاف المفاهيم، لا يكف عقلي عن التساؤل، ماذا يا ترى سيكون تعريف المجرم للخير؟ وتلتقي رغبتي برغبة حياة في معرفة مفهوم الخير عند المجرم وأخيرا نقول :مهما تعرض مجتمعنا العربي وبلدنا من نكبات إلا أن هناك جملة من القيم تعتبر خطاً أحمر لاينال منها شيء فحتى لو أصاب الصدأ هذ المفهوم عن البعض إلا أنه لن يلبث أن يستعيد بريقه نافضاً عنه غبار أيام صعبة مر بها بلدي الحبيب .
شذى الوليد الصباغ
المزيد...