كانت النملة تبحث عن غذائها ، وكانت تقف بين حين وآخر محركة رأسها ذات اليمين وذات الشمال ، ثم لا تلبث أن تعود إلى خطواتها البطيئة .
لقد مضى وقت طويل على خروجها من موطنها المتغلغل تحت التربة .. أواه ! ماأكثر الأعداء الذين صادفتهم ، وما أصعب التحايل عليهم والنجاة منهم !
لقد هربت من العصفور الذي حط بالقرب منها ، حين اندست في شق قريب لا يدخله منقاره ..
وأنقذت نفسها من النملة الضخمة التي ظهرت أمامها فجأة بتظاهرها بالموت ، فتركتها بعد أن تفحصتها كثيراً .
إذن .. لقد مضى وقت طويل ولكن .. ماجمعته اليوم قليل ، بل وقليل جداً ، فهو حبة شعير ، وعود قش ، وبللورات صغيرة من السكر .. إنها تريد غذاءً أوفر .. يرضي الملكة ويفرح عشيرة النمل .. فالشتاء على الأبواب ، والمؤونة يجب أن تكون كافية ..
ــ وقفت ..
وكعادتها ، حركت راسها .. حمل الهواء لها رائحة مألوفة .. انتفضت وحجمت وجهها شطر المكان .
كانت الرائحة تزداد نفاذاً ، كلما سارت خطوات أكثر .. ومن بعيد لاح الهدف المقصود ، فاقتربت منه حتى لامسته ، كانت الفريسة صرصاراً ميتاً…
ــ أوه … ما أضخمه ! ..
قالت لنفسها :
ــ سيكون هدية جميلة لمليكتي .
عادت إلى محادثه نفسها ، ثم دارت دورتين حول الصرصار ، واقتربت أكثر فأكثر ، وأطبقت بفمها على جناح من أجنحته ، وحاولت الشد .. لكنها لم تفلح ! . انتقلت إلى مكان آخر من جسمه ، حاولت أيضاً شده منه ، لكن الفريسة لم تتحرك … حاولت مرات ومرات دون جدوى ، فالصرصار ثابت في مكانه .. لا يتزحزح أنملة واحدة ! ..
واستندت النملة إلى حجر قريب ، وهي تلهث من التعب .. لقد يئست من سحب الصرصار إلى ملكتها .. ما العمل!!
ــ لا .. لن أترك هذا الصيد الثمين .
وتذكرت وجه الملكة .. زميلاتها العاملات ..
الشتاء القاسي ..
ــ لابد من طريقة .. لا بد !
فكّرت وفكّرت ثم حركت رأسها بقوة!.
ــ وجدتها .. وجدتها ..
وركضت في طريق العودة ، وهي تلاحظ بدقة معالم هذه الطريق ..
ــ وصلت إلى المملكة ، فوجدت مجموعة من صديقاتها تحفر في الأرض ، اقتربت .. وحكت رأسها برأس كل منها ، وهي توشوش بسرّها ثم انطلقت ، ووراءها سارت الصديقات بخط مستقيم .
وصل النمل إلى مكان الصرصار ، التفوا حوله وهم يرمقونه بدهشة وفرح … قالت النملة …
ــ هاهي فريستنا .. أيتها العزيزات .
وسكتت قليلاً ، ثم تابعت :
ــ هلا استمعتم إلى تفاصيل الخطة
توقف النمل عن الحركة ، وأنصتت إلى حديث صديقتها باهتمام .. وعندما انتهت النملة من شرح طريقة العمل ، وزعت الأدوار قائلة :
ــ أنت امسكي بهذه الرجل .
ــ وأنت عضي على هذا الجناح .
ــ وأنت شدي من هذا الطرف .
وأنت … وأنت … والآن إلى الأمام .
تحرك النمل ، فتحرك الصرصار الميت بسهولة .
غمرتهم الفرحة واتجهوا بغنيمتهم إلى المملكة .
د. موفق أبو طوق