صباح الخير.. تهمس شمس حبيبة دافئة, وهي تصافح بأصابعها أوراق الأشجار المتناثرة على الرصيف..
كان صباحاً جميلاً, وكنت على موعد مع ( أبو حسام) صاحب التنور الريفي الجميل.
جميلة كل الصباحات,والأمسيات قرب تنور طيني جبل ترابه، وصنعته أصابع جدات لملمت تراث الجدات, وحكايات ملونة تراقصت على جدرانه الطينية المطلية بالكلس.
سافر بنا ( أبو حسام) إلى زمن غابر وذكريات ممتعة حيث كانت ربات البيوت يتبارين منذ إشراقة الشمش في صنع العجين وإشعال التنور..
ما أجمل صباح الريف مع إشعال الحطب.. ما أشهى تلك الرائحة التي شاكست وجودنا قرب التنور, وعبق الخبز الشهي المقمر على نار الحطب.
جميلة هي ألسنة اللهب الحمراء التي تتعالى من تنور أبو حسام.. رائعة هي الأيدي التي تتهادى مضمومة داخل وسادة دائرية الشكل مصنوعة من القماش السميك تسمى ( الكارة) لتلصق بالرغيف على جدار الموقد المتوهج ثم تنسل بخفة لامثيل لها الرغيف الناضج.
وجميل منظر المارة والزبائن .. والأطفال وهم يتحلقون حول التنور وأعينهم شاخصة بدهشة لضوء الجمر معلنة نضوج الخبز.
عندما تمعن النظر بالتنور وتطيل الوقوف تناديك رغبات متناقضة بين المدينة والريف, وتنسى أنك وسط المدينة, وتنسى أنك تقف على الرصيف الرئيسي (لضاحية أبي الفداء)..
ترغب في البحث حولك عن كوخ صغير على سفح جبل أو كتف واد أخضر قرب جدول ماء عذب، تضع الحطب بين الحجارة المرصوفة إلى جانب التنور, وتصنع لك موقداً للشاي وما أطيب خبز التنور مع كأس شاي مغلي على الحطب..
ما أروع هذا المشهد, وما أشهى الخبز المصنوع على الحطب في التنور مع فطائر (أبو حسام) الشهية بنوعيها ( الزعتر .. والفليفلة الحمراء).
والفرق جداً واسع بين الشاي الحديث المصنوع على موقد الغاز والكهرباء ,. والشاي المغلي على الحطب, وبين أرغفة الخبز المصنوعة بالآلات الحديثة.
كم هو جميل ورائع أن نعود ولو للحظات إلى الماضي ونعيش في رحابة بين الحين والآخر؟..
رامية الملوحي
المزيد...