قلت وأنا طالع الباب بعد أن خرج المريض : الثاني..!
دلفت من الباب فتاة في ربيعها الثامن عشر, ملامح وجهها الفتانة تعيق عمل تلك الهالات السوداء التي تحيط بعينيها جاهدة لإبراز شحوب وجهها…جلست أمامي بعينين منطفئتين.. تقربت منها وبدأت أجاذبها أطراف الحديث, لم أسألها عما يكدرّها .. بل حادثتها بلهفة صديقة مقربة.. بدأت بصعوبة تحكي لي كيف يشغلها كل شيء عن تحقيق حلمها.. حلمها الذي تمنته منذ طفولتها ألا وهو كونها طبيبة.. حكت لي كيف انطفأ الشغف فيها بعد عدة خيبات.. قاطعتها وسألتها بعينين متحذّرتين : خيبات الأحبة..؟!
أدلت بالموافقة بإشارة برأسها.. حلقت بي الذاكرة في هذه اللحظة جسدت نفسي القديمة في هذه الفتاة ربتُ على كتفها بحنوٍ.. نطقتُ بهمس صغيرتي.. إن هذه الحياة خلقت محملة بالخيبات .. ولن ننال سعادة قلوبنا حتى ننسى خيباتنا ونضع أحلامنا نصب أعيننا.. حتى ننسى خذلان الذين أحببناهم .. صغيرتي .. لاتهتمي لكلام الناس لاتيأسي عند أول منعطف.. ارمي وراءك مايعيقك..! حلمك ينتظرك.. والمستقبل أمامك وأردفت بنبرة عالية: توكلي على الله وامضي..!
وقفت أمامها منتصبة وأشرت على نفسي .. قلت بانفعال :
هذه أنا .. كنتُ .. كما أنتِ الآن .. كنت أسعى وراء حلمي بصعوبة .. بعد أن انطفأ الشغف فيّ وبهتت ملامحي وشحب وجهي.. لكنني في لحظة خيبة جعلتها نقطة تحول .. أدركت أن المستقبل ينتظرني.. أدركت أنني لم أصل وأنا واقفة أفكر في آلامي.. أيقنت أن فيّ طاقات عليّ أن أملا بها العالم, أيقنت أنني يجب أن أحلق ـ حلقت من غيابات الظلمات إلى مشارق النور ـ فحلقي ياصغيرتي ..!! سأشد على يديك حتى تصلي إلى النور.. حتى تصبحي كما أصبحت طبيبة وأماً وذات أثرٍ في هذا الكون لاتبرحي ياصغيرتي حتى تبلغي ..
خرجتْ من عندي وفي عينيها بريق من أمل .. وفي قلبها شغف وحب.. خرجت لتشق طريق الظلام .. إلى النور.. بعون الله ..!!
آلاء النيربية