يحمل بعضنا صورة طوباوية عن الشاعر، ويحسبون أنه شخص مثالي دائماً وفي كل أموره، ويفيض خيراً في كل حالاته، حتى لقد ذهب ناقد صديق، وهو ناقد مهم، إلى حد الدعوة إلى ما سماه ( الاقتصاد الأدبي) مقابل الاقتصاد السياسي، ودعا إلى تولي الأدباء، بما يحملونه من قيم، مقاليد الأمور في مجتمعاتهم. في حين أن الشاعر إنسان يجري عليه ما يجري على الآخرين من حالات الخير والشر، ونصوصه قد تكون صورة عن حياته، وقد تكون المكمل، وقد تكون النقيض.
ونظراً لامتلاكه ناصية الكلام فهو الأقدر على التزييف، وترويج الضلالات.
وكم من شاعر قد روج للباطل لتحصيل بعض الفتات. ويزداد الضالون المضلون من الشعراء في بعض المراحل، حيث تنصب أسواق لبيع البضاعة المضروبة، يشتريها الفاسدون ليعيدوا بيعها للناس. (
ويذهب بي الظن، أو يكاد، إلى حد القول بأن أغلب قصائد المدح التي قيلت عبر الزمن لا تزيد عن كونها نوعاً من / البروباجندا/ لترويج البضائع الفاسدة ). فويل لمجتمع كثر فيه هذا النمط من الشعراء (مقابل قلة لم يستطع المال ولا الجاه أن يفسدها) ، لأن المداحين من الشعراء هم الأقدر على البيع والشراء في أسواق التضليل والتمويه، والكذب الذي ينتحل الأسماء الحسنى. وتسقط على يد تجار الكلام هؤلاء مقولة ( إن الرائد لا يكذب أهله) فهم كذابون أشرون، يكذبون ويكذبون ويكذبون دون أن يرف لهم جفن، ويحسبون أن (لحن القول) فهلوة وشطارة، وشبكة لصيد الشهرة والجاه والمال الحرام. فلا نامت عيون أشباه البشر هؤلاء، الذين يتكسبون بشعرهم.
أقول ما قلت وفي ذهني بيت الشعر المشهور:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى
بغاة المعالي كيف تبنى المكارم
نعم.. إنه الشعر وليس هذا الطراز من الشعراء.
محمد راتب الحلاق