من يشاهد سد سلحب اليوم وقد جفت مياهه بشكل نهائي يشعر بالأسف والحزن على كميات المياه المهدورة التي ذهبت من دون أدنى فائدة ،ويشعر بالغضب والاشمئزاز من المسؤولين الذين لم يحركوا ساكنا طوال عدة سنوات وكأن الموضوع لايعنيهم..
يا للأسف على مليارات الليرات التي صرفت خلا ل ثلاثة عقود مضت لم نحصد من توظيفها في إنشاء هذا السد إلا الخيبة والسراب .
مادفعني لكتابة هذه المادة مشاهدتي لمساحات زراعية واسعة تركت بوراً ، ليس كسلاً من المزارعين بل لضيق ذات اليد وعدم القدرة على سقاية مزروعاتهم من الآبار الارتوازية التي تحتاج لكميات كبيرة من المازوت والمازوت في الأراضي المسحورة ويحتاج إلى علي بابا للحصول عليه…
المياه إلى البحر
ملايين الأمتار المكعبة تمر خلال موسم الأمطار عبر جسم السد وفي طريقها إلى العاصي ومنه للبحر وعشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة في القرى المجاورة للسد كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول لاسيما في الصارمية وسلحب والعالمية إضافة إلى القرى المجاورة كلها يمكنها الاستفادة من المياه المهدورة فيما إذا أراد أحد أصحاب القرار اتخاذ خطوات جريئة للإفادة من المياه، المزارعون في المنطقة عبروا عن انزعاجهم وقالوا :
لو تمكنا من سقاية أراضينا من مياه السد لوفرنا الكثير ولما تركنا شبرا إلا وزرعناه..وحدثني أحد المزارعين عن فكرة ليست مكلفة جداً ولاتحتاج إلا لقناة ري تصل من مجرى التصريف لمركز الري في الصارمية بمسافة لا تتجاوز2كم تروي آلاف الهكتارات من الأراضي المجاورة بأقل تكلفة.
هل هو الخوف من الانهيار..؟
ما حدث خلال السنوات الماضية يثير الاستغراب، والمخاوف لدى سكان القرى المجاورة من انهيار السد كما حدث في زيزون ،ففي البداية كما أذكر منذ 13عاماً تقريباً تم كسر جزء من المفيض لتخفيض كمية التخزين والتي تبلغ حوالى 7 ملايين م3 طبعاً بعد تخفيض الكميات التي أنشئ السد بموجبها والتي تبلغ 35مليون م3 ثم راقت الفكرة للمسؤولين، فكلما كان موسم الأمطار جيداً يكسرون جزءاً من المفيض إلى أن تم كسره كلياً وتمت مساواته بأسفل أرض السد من جهة الشرق، والأنكى من ذلك تم فتح بوابة التصريف بشكل كامل حتى بعد انخفاض معدل الأمطار، طبعا كل ذلك حتى لايتحمل أحد ما المسؤولية تحت ذرائع مختلفة كضعف بنية الساتر الشمالي أو طبيعة الأرض النفوذة وما إلى ذلك من أعذار أقبح من ذنب ..
والسؤال أين وزارة الموارد المائية من كل ذلك ؟
أين الدراسات ..؟ أين الخبراء؟ أين..أين؟
هل كان قراراً خاطئاً
بعد أن ذاب الثلج وبان المرج كما يقال فقد تكشفت الحقائق التي تشير إلى أن قرار إنشاء السد كان خاطئا لأن طبيعة الأرض نفوذة و لايمكن معالجتها وتداركها مهما حاولت الجهات المسؤولة اليوم أن ترقع أخطاء الدراسات والتنفيذ السابقة وربما يكون قرار إخراج السد من الخدمة أفضل من إضافة خسارات أخرى دون جدوى وإضاعة للوقت والجهد في الترقيع ولن يستطيع العطار إصلاح ماأفسده الدهر.
القصة من أولها
بعد اتخاذ قرار إنشاء السد قامت مديرية استصلاح الأراضي في وزارة الري بإجراء دراسة تصميمية في عام 1989 سبقتها تحريات جيولوجية وهيدرولوجية وكل مايلزم لهكذا مشروع ضخم وبالفعل أنجزت شركة (ريما) الشركة العامة للري ومياه الشرب السد خلال عام 1990/1991 لكن للأسف تكشفت العيوب والخلل في عام 1992 عند أول اختبار حيث تم أول إملاء لبحيرة السد حيث ظهرت الرشوحات والتسربات من تحت جسم السد في المنطقة القريبة من موشور الصرف بالوجه الخلفي بمعدل 180-160 ل/ثا فتم في وقتها تنفيذ مصرف أفقي خلف جسم السد بهدف تخفيض الضغط البيزومتري وبهدف إلغاء ظاهرة الحت التراجعي وكذلك للحصول على شروط مراقبة وقياس التصاريف والعكارة الموجودة بالمياه الراشحة في عام 2003ظهر أن الرشوحات تزداد إضافة لوجود مياه مضغوطة بالبار البيزومترية لمنسوب فوق الأرض الطبيعية بمقدار متر واحد وهذه الظاهرة غير مقبولة وممنوعة بعدها اتخذ القرار بضرورة تقييم السد من قبل جهة فنية متخصصة وتم التعاقد مع شركة كهرباء فرنس EDF لتقييم السد ووضع الحلول والمقترحات اللازمة لمعالجة الرشوحات وضمان سلامة السد واستقراره في عام 2006 ظهرت تكهفات كارستية في بحيرة السد ادت لرشوحات خلف السدة الثانوية وبناء عليه تم تخفيض المفيض إلى منسوب 216م ثم تم سحب الأعمال من الشركة الفرنسية خلال عام 2011 ومصادرة مستحقاتها والتنفيذ على حسابها بأنها لم تلتزم بشروط العقد اليوم..
خلال مقابلة المسؤولين في مديرية الموارد المائية سألت عن إمكانية إنشاء قناة تصل بمركز ري الصارمية كما اقترح أحد الفلاحين فأجابني المهندس خالد دعيمس المعاون الفني بأنه لايمكن تنفيذ هكذا مشروع بدون دراسة الجدوى الاقتصادية منها نظراً لأن السد خاضع للتقييم.
وحول وضع السد اليوم قال مدير الموارد المائية المهندس فادي عباس :إن السد خاضع للتقييم من شركة الدراسات المائية وقد أوصت هيئة الموارد المائية بفتح المفرغ حتى يتم التقييم الكامل لجسم السد وبناء عليه تم فتح المفرغ وكسر المفيض حتى عتبة معينة ريثما يتم التقييم النهائي.
خلاصة القول : بعد ثلاثين سنة على انشاء سد سلحب باتت الصورة واضحة تماماً، وقد تم هدر الكثير من المياه و الأموال والوقت والجهد والأحلام الوردية ولم نكسب أي شيء وربما نكون أقرب إلى كارثة في حال انهيار السد لاسمح الله و قد يكون التوقف عند هذا الحد أفضل من الاستمرار في طريق نعلم أنه خطر ومسدود في النهاية ،لأن وضع السد اليوم يشبه قول الطبيب بعد الخروج من غرفة العمليات : مبارك العملية نجحت لكن المريض توفى.
صحيح أننا اليوم بأمس الحاجة لكل قطرة ماء لكننا في الوقت ذاته بحاجة ماسة للتوفير ماديا لذلك نأمل من الجهات المسؤولة اتخاذ القرار المتأني والجريء والمسؤول بعد اكتمال الدراسات التقييمية والتوقف عن الخسارة إذا كانت الجدوى الاقتصادية غير مضمونة النتائج وتوظيف الأموال التي ستصرف في أي مشروع آخر يعود بالفائدة على الجميع.
فيصل المحمد