هذا الصباح الذي يتقطر نسيماً خريفياً مؤرجاً بعبير الياسمين .. يمر على القلب ماسحاً صدأ الخمول ، من حرارة الصيف اللاهبة . هذا الصباح الجميل , أسير وأنا أشعر أنني ولدت من جديد ، وهذا الشعور يتجدد كل صباح مع كل نسمة باردة سكنت آمنة وادعة صامتة على وجهي وعلى وجوه الذاهبين إلى أعمالهم ومدارسهم .
ثملة أنا بهذه القصيدة المكتوبة بيد الطبيعة ، وأحاول أن أنتشي بنسائم ملونة برائحة البن المنبعثة من إحدى المحال .. حملتني تلك الإيقاعات الجديدة إلى سطور كتبها الأديب العربي ( عيسى فتوح ) :
ــ إننا مدينون بفنجان القهوة لتلك الشجرة الدائمة الإخضرار والتي يمتد عمرها إلى ثلاثين عاماً أو أكثر . لا يتجاوز طولها متر والنصف .
قد نتساءل :
ــ من أين أتت إلينا محمولة على أكتاف الريح ، أو فوق مياه المحيطات ظلت في شرقنا العربي وبلاد الحبشة واليمن حتى القرن الخامس عشر الميلادي ، ثم انتقلت إلى أوربا .
تعد القهوة هدية العالم القديم إلى العالم الجديد .. فأمريكا لم تعرف بنبات البن إلا حوالى عام /1737م/ .
وهناك قصة طريفة وجميلة لقصة البن وكيف انتقلت إلى أمريكا…
يقال : إن أحد الضباط الفرنسيين حمل معه ثلاث شجيرات من البن وهو في طريقه إلى جزر ( المارتينك ) وبينما هو على ظهر السفينة هبت عاطفة قوية أعاقتها من المسير .
وحجزتها في عرض البحر بعض الوقت فمنعتها من الوصول إلى هدفها في الموعد المحدد .
وقد أدى هذا التأخير إلى نقص الأغذية والماء على الركاب وتخفيض حصصهم من الماء ، فما كان من الضابط في سبيل المحافظة على الشجيرات إلا أن حرم نفسه من الماء ليروي الشجيرات ، ووصل إلى جزر المارتينك فكانت النواة الأولى .. وقد أعجب المزارعون بهذه الشجيرات وأكثروا من زراعتها وبذلك انتقلت مراكز إنتاجه من العالم القديم إلى العالم الجديد ..
بتلك العناية الفائقة أزهرت وأينعت ، ووصلت إلينا عزيزة غالية وصارت سيدة كل لحظة في حياتنا .
الآن أشعر أن الكتابة مهما تنوعت موضوعاتها فإنها تنبع من الوجدان ملونة كقوس قزح ينحني ليعانق عبق البن المتصاعد مع نغمات فيروزية شفافة ..
فما أحلى الاندغام مع الطبيعة بكل أشكالها وألوانها فلكل فصل جماله الخاص ، وخضرته المتميزة ، والكتابة تتلون بقوافيها وحروفها متحدثة عن هذا الإبداع الإلهي ، لكن فنجان القهوة يظل ثابت اللون والمذاق .. فصباح الخير . قهوة الصباح .
رامية الملوحي
المزيد...