في مثل هذه الأيام من عام 1973 كانت فرحتي لاتوصف, لانني هَمَمْتُ بالسفر إلى حلب كي أسجل في قسم اللغة العربية, وإذا الإذاعات تنقل خبر اندلاع حرب تشرين التحريرية, فازددت فرحاً على فرح, وأحسست بغبطة كبيرة,وسعادة عظيمة حين رأيت غطرسة العدو الصهيوني تتحطم في سمائنا وأراضينا, فطائراتهم تتهاوى كصناديق من الورق, وجنودهم يفرون مذعورين من الجولان حتى بحيرة طبرية, وفي الجانب الآخر من الجبهة المصرية تمكَّن الأشقاء الأبطال من تحطيم خط بارليف الحصين, بعد أن اجتازوا قناة السويس على الجسور بالقوارب المطاطية ..
يالروعة اللحظة , ويالعظمة الحدث, ويالجلال الواقعة..!
لقد كانت حرب تشرين هي الحرب العربية الأولى التي ينتصر فيها العرب على الصهاينة, ويحطمون أسطورة الجيش الذي لايقهر , ويثأرون للكرامة العربية التي عانت من الهزائم منذ نكبة اغتصاب فلسطين عام 1948.
لقد تجلى التضامن العربي أيام الحرب في أروع صوره.. فالجيشان العربيان السوري والمصري يشنان الحرب على العدو في لحظة واحدة, والأشقاء العرب من المحيط إلى الخليج كان لهم حضور على الجبهتين، فامتزجت دماء الشهداء العرب في تلك الحرب المقدسة.. وهل منا من يعلم أن الجسور التي نصبت فوق قناة السويس, وعبر عليها الجيش المصري إلى الضفة الأخرى من القناة قد تم صنعها وتجهيزها بأحد المواقع العسكرية السورية بمشاركة مصرية؟
كما بدا التضامن العربي في شعور الشعب, وموقف الحكام.. فالحرب على أشدها لهيباً وضراماً, والعرب يتطلعون إلى جبهتي القتال متلهفين لسماع خبر الانتصار, ودحر الصهاينة.. وقد قطعوا النفط عن أوروبا والولايات المتحدة الذين وقفوا مع الصهاينة وكانوا سبباً في اغتصاب فلسطين..
ونحن إذ نعيش ذكرى العزة والكرامة نقول: ماأجمل أن يعود التضامن العربي كما كان في حرب تشرين, لأن في التضامن القوة, وفي التشرذم الضعف والهوان.. والعالم لاينظر بعين التقدير للضعفاء.. وقد برهنت هذه الحرب أن السلام لايمكن أن يتحقق البتة لهؤلاء, بل هو ينتزع انتزاعاً بقوة صاحب الحق السليب.. وأما الضعفاء فإنهم يستجدون أعداءهم من أجل استرداد حقوقهم المغتصبة, ولكنهم لايحصلون إلا على الوعود الكاذبة, أو المساومات, أو الفُتَات في أحسن الأحوال.
د. موفق السراج