ياقوت الحموي
حين تتحول كرة القدم من نتيجةٍ عابرة إلى مرآة لعلاقةٍ أعمق مع وطن لم يغادر القلب يوماً.
لم تكن كرة القدم تعنيني يوماً،
كيف يمكن للمرء أن ينشغل بمباراة، فيما أهله في سوريا يواجهون ما يجعل القلب أثقل من أي شغف، وأبعد من أي فرح؟
سنوات طويلة مضت وأنا مشغول بهمّ بلد ينزف، وبوجع أهل يعلو في داخلي كلما حاولت الالتفات إلى شيء يشبه الحياة.
كنت مثقلاً بما يكفي كي يمنع القلب من الانسياق خلف أي لحظة فرح، ولو كانت عابرة.
عشت على يقين واحد فقط: أن نصر أهلنا هو المباراة الحقيقية، وما سواه مجرد تفاصيل لا تستحق التوقف عندها.
كان الفرح يبدو ترفاً، وكأن أي ابتسامة خيانة لوجع لا ينتهي.
لكن بعد أن تحررت سوريا من ثقل نظام الأسد البائد، ذلك الثقل الذي صادر حتى مشاعرنا، تغيّر شيء في داخلي.
صرت أرى سوريا بعيون جديدة، لا بوصفها جغرافيا فحسب، بل إحساساً مقيماً في الصدر وحلماً لا يغيب.
سوريا التي نحملها معنا حيثما كنا، وتستحق أن نفرح لها بأي شكل.
حتى لو كان هذا الفرح هدفاً في مباراة كرة قدم.
عندها وجدت نفسي أشجع منتخب بلدي سوريا،أفرح لتقدّمه، وأنفعل لتعثره، لا لأن الفوز غاية بحد ذاته، بل لأنني رأيت في لعبة محاولة صادقة للوقوف.
رأيت فريقاً يلعب بروح رياضية، وينتزع احترامه خطوة خطوة رغم كل ما يحيط به، محاولة للاستمرار، لا للاستعراض، ولإثبات الحضور لا للهروب من الواقع.
وكما قال من يعرفون كرة القدم أكثر مني، بدا التنظيم أوضح، والصلابة أكبر، والقدرة على الصمود حاضرة أمام منتخبات أقوى.
وهذه الروح وحدها كانت كافية لأفهم أن المعنى لا يُقاس بالنتيجة فقط.
أحياناً يكون ما يُقدَّم رسالة قبل أن يكون انتصاراً، وتكون المحاولة بحد ذاتها شكلاً من أشكال الفوز.
فالخسارة بين الإخوة ليست خسارة،والتنافس بين العرب ليس انكساراً، فنحن نكمل بعضنا بعضاً،ومن يتعثر اليوم يفتح الطريق لمن يتقدم غداً.
ما يجمعنا أعمق من الزمن، وأصدق من أي خلاف، نحن أبناء لغة واحدة، ووجع واحد، وحلم واحد.
قلوب ما زالت تنبض معاً، رغم كل ما انكسر فيها، ورغم كل ما حاول أن يفرّقها، وما يجعلني أبتسم حقاً أن لسوريا فريقاً أستطيع أن أصفق له.
فريقاً أحبه، أفرح له، وأدعمه حين يفوز وحين لا يفوز، أشجعه على أن يواصل طريقه بثبات، بقلب يعرف أن لكل جهد صدى، ولكل خطوة أثر.
وأرى فيه ملامح بلاد تستحق مستقبلاً أجمل من كل ما مضى.
بلاد تستحق أن نؤمن بها من جديد.
بالنسبة لي، هذه ليست مجرد كرة قدم، هذه نافذة صغيرة أطلّ منها على سوريا التي سكنتني دائماً.
سوريا التي تمضي معي مهما ابتعدت عنها ،والتي يكفيني منها أن تظل تنبض في قلبي، كلما ظننت أن المسافة قد تغلبني
#صحيفة_الفداء
#عام_على_التحرير