المرشدون النفسيون بحاجة إلى تأهيل: وجــــود شكلــي فـــي مـــدارســـنا ولابــد مـــن حلـــول لتفعيـــله
يظهر دور المرشدة النفسية الأفلاطوني في مسلسل أشواك ناعمة والتي قامت الفنانة سلمى المصري بتمثيل دورها على أنها المعلمة المثقفة والواعية والهادئة والتي تعرف وتستطيع أن تحل مشكلات طالباتها على أكمل وجه بل ولها القدرة على تغيير سلوكهن وتحسين أدائهن الدراسي، كما وتقف في وجه الإدارة الصارمة التي ستتبع معهن وكان لدور المرشدة النفسية عظيم الأثر في مستقبل الطالبات لدرجة تغيير مجرى الأحداث برمتها ، فهل هو فعلاً الدور الحقيقي للإرشاد النفسي في المدارس أم أنّ نوعا من المبالغة قد حصل .؟ وهل فعلا أحسنت وزارة التربية توظيف و استخدام ورقة المرشدين في مدارسها بشكل إيجابي ؟.
هي أسئلة تتبادر لأذهاننا عن الدور الحقيقي للإرشاد النفسي في مدارسنا. وما هو الدور الفاعل الذي يقوم به وهل حقا يلجأ الطلاب لمرشدهم النفسي ليحل مشاكله ؟
ففي كل مرة تقوم وزارة التربية بخطوة محاولة فيها أن تجاري مثيلاتها من دول العالم لكنها تقوم بها دون تحضير ودراسة لواقع المجتمع ، وترتجل خطواتها ارتجالا ، ورغم أننا لن نستبق النتيجة قبل أن نسأل ونتحرى ونستشف الحقيقة لكن الكثير مما نراه في الواقع لا ينم عن تفاؤل ، فهل حضرت وزارة التربية وجبتها على أكمل وجه لتعجب طلابها أم أنها كانت مستعحلة والنتيجة احتراقها؟
يقول أحد الطلاب : ذهبت ذات يوم إلى المرشد النفسي لأعرض له مشكلتي، فبادره بالقول: (عد إلى صفك مو طايق حكي حدا اللي فيني مكفيني).
وهذا يقودنا للقول إن المرشد النفسي بحد ذاته بات بحاجة لمن يحل له مشاكله النفسية.
هل وصلنا للوعي ؟
الحديث عن الإرشاد النفسي، يتطرَّق إلى البعد الاجتماعي للمعرفة النفسية، أو مايسمى الطب النفسي الذي لايزال في مجتمعنا غامضا وغير مقبول أو على الأقل لايجد له أرضية حقيقية واقعية فلم يكتمل وعينا المجتمعي لزيارة مرشد نفسي أو طبيب نفسي للعلاج مهما تأزمت حالتنا النفسية لابل ينعت كل مريض يزور الطبيب النفسي بالمجنون ،وهذا يقودنا لان نقول إن دور المرشد النفسي لن يكتمل مالم تتغير النظرة الاجتماعية بشكل عام.
كما لا يمتلك المرشدون النفسيون القدرة على تطبيقها عملياً، ربما بسبب اصطدامهم ببعض العقبات الاجتماعية أو بالفجوة الكبيرة بين الثقافة والمجتمع .
بعض مديري المدارس أجابوننا بأن دور المرشد النفسي قد تغير نتيجة عدم فهمه بشكل مناسب حيث تم تكليفه بمهمات أخرى كالتوجيه او لضبط الطلاب أثناء الفرصة او ليكون دوره بديلاً عن مدرب الفتوة والحجة أنَّ كثيراً من الطلاب غير مقتنعين بفكرة ما يُسمَّى «الإرشاد النفسيربا (طالبة ثانوية) تقول: «في الحقيقة، نشاهد المرشدة عبارة عن معلمة كغيرها فلم نحصل خلال سنوات الدراسة منها على أيِّة مساعدة في أيِّة مشكلة تحصل معنا، وهذا أمر غريب.
فيما تقول سلمى بأن المشكلة الأساسية بأننا لانعرف ماهو دور المرشدة النفسية حتى الآن سوى أنها تصرخ علينا أثناء فترة الاستراحة ليس إلا .
منى قالت: «لا أفضِّل أن أبوح بمشاكلي الشخصية لأيِّ شخص، وأيُّ مشكلة تحصل معي في الدراسة تبقى طيَّ الكتمان ولا أخبر بها أحداً، ولا أفكِّر أبداً في اللجوء إلى المرشد الاجتماعي في مدرستي..
قد يعتمد الأمر على شخصية المرشد نفسه ففي حال كان من النوع الذي يتحدث ويتقبل أفكار هذا الجيل ويستطيع أن يحاور فهو ولابد سينجح في عمله .
تقول الطالبة رنيم إن وجود المرشد النفسي أو الاجتماعي أمر مهم، ويساعد الطلاب على تخطِّي الكثير من العوائق والمشاكل الموجودة، وبالطبع لا بدَّ أن تواجه هذه التجربة بعض الصعوبات، فلن تكون أكثر قبولاً من الطبيب النفسي الذي يخطر في ذهن الكثيرين من أبناء مجتمعنا أنه معقَّد نفسياً وأنَّ كلَّ مَن يزوره، مجنون
وقد يختلف دور الإرشاد النفسي مابين مدارس الطالبات ومدارس الطلاب فمن المعروف أن الفتاة تبوح بمكنوناتها أكثر مما يبوح الشاب.
جهد المدرسة
في الحقيقة فإن جزءاً ضئيلاً من المدارس استطاعت أن توضح فكرة أهمية وجود مرشد نفسي، لكن بجهود شخصية وبمعاناة كبيرة فالحديث عن الحالة النفسية يقود إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي شخصية المرشد، هل تؤدِّي دوراً محورياً في الموضوع؟..
المرشدة نها ترى أن فعالية الإرشاد يعود للمرشد نفسه ولمدى فعاليته وتأثيره بالطلاب وبمن حوله أولا ولتقبُّل المجتمع لدور المرشدين في المدارس ثانيا.
كما ان هناك عوامل كثيرة تؤثر بالموضوع ، منها البيئة الاجتماعية والمستوى الثقافي والمنطقة السكنية ففي الريف نرى فعاليتها أقل منها في المدينة كما وأن الضمانات التي يقدِّمها المرشد إلى الطالب ضرورية للحفاظ على السرية
ويمكن القول إنه لا يزال دور المرشدين النفسيين ضئيلاً، وهو ضعيفا في مدارسنا.
فيما ترى مها مرشدة نفسية « أنَّ الإرشاد لم يأخذ حقه حتى الآن، والسبب في ذلك أنه يحتاج إلى إمكانات وآليات واسعة، ذلك أنَّ بعض المرشدين لا يملكون غرفاً خاصة بهم في المدارس التي يمارسون عملهم فيها، علماً بأنَّ البعض منهم له في الخدمة أكثر من خمس سنوات
بناء الثقة
تجيب ناهد عن سؤالنا وهي مرشدة نفسية بأن
الكثير من الطالبات لايوجد لديهن تقبُّل لفكرة الإرشاد النفسي، ففي السابق كان الموضوع إلى حدٍّ ما غريباً بالنسبة إليهن، ويشكِّل الإرشاد النفسي رهبة لديهن، ولكن سنة بعد سنة أصبح هناك تقبُّل لهذا الموضوع، وأصبح إقبالهن جيداً إلى حدٍّ ما».. رغم وجود بعض الثغرات والمشاكل في تجربة الإرشاد النفسي في المدارس، منها عدم تخصيص وقت خاص للطالبات لمعرفة مشاكلهن، داعية إلى وجوب وجود حصة كاملة للإرشاد النفسي لسماع مشكلات الطالبات، مثله مثل أيِّ مادة دراسية.
قبل تسع سنوات دخل الإرشاد النفسي وبدئ العمل بتطبيقه في مدارسنا لكنه حتى اليوم لم يأخذ دوره بالنسبة لنظرة المجتمع ،لكن رأي التربية مختلف فمن خلال سؤالنا لعدد من الموجهين في المجمع التربوي بمصياف فقد رأوا أن التجربة نجحت في مدارسنا وحقَّقت الأهداف المرجوَّة منها، والمرشد يؤدِّي دوره المطلوب منه على أكمل وجه. وأن هناك تعاوناً مثمراً بين الإدارة والمرشد والأهل. والإدارات على تواصل مع المرشدين بشكل دائم من خلال موجِّهي الإرشاد النفسي أو الاجتماعي، وفي كلِّ شهر يتمُّ اللقاء مع المرشدين والتعرُّف إلى المشاكل التي ترافقهم إن وُجدت، ونحن بدورنا كوزارة نقوم بجولات ميدانية ، وعمل المرشد يسير بشكل صحيح لكن أيضاً لابد من الاعتراف بوجود بعض المشكلات التي تواجه عمل المرشد منها عدم وجود غرفة صفية أو حصة إرشادية خاصة للإرشاد، إذ يقتصر لقاء المرشد بالطالب أثناء الفراغ.
دورات تدريبية
طبعا الإرشاد النفسي لا يمكن أن يأخذ دوره الأساسي والمهم دون أن يكون هناك دورات تأهيلية تدريبية يخضع لها المرشدين النفسيين قبل التعيين في المدارس، ومن هنا بدأ الخلل كما يقول لنا الموجه التربوي أنس الراشد وأضاف : إن خريجي النظام القديم لم يكونوا مؤهَّلين قدر الكفاية، حتى نظرياً لأنَّ دراستهم كانت تربية بشكل عام، وفي السنة الثالثة يختارون إما علم نفس أو تربية، ولم يكن هناك في الأساس إرشاد نفسي، وتمَّ تعيينهم في المدارس، وهنا بدأ الخلل الآخر، وعند التعيين لم يكن دورهم واضحاً بشكل جيد، سواء لإدارة المدرسة أو حتى للطالبات، وبالتالي انتقل دورهم من مرشدين إلى ملء شاغر في المدرسة، فإذا غاب مدرس مادة ما يحلُّ محله المرشد، ويكون بديلاً عنه.. هذه أيضاً من الأخطاء التي بدأت بشكل قوي، وارتكبت بحق الإرشاد النفسي، فقلة الخبرة والتدريب جعلتهم غير قادرين على معرفة دورهم الحقيقي…
واليوم وبعد مضي أكثر من 9 سنوات على تطبيق التجربة، لا تزال هناك مشكلات عدة، من الممكن- إذا لم يتم حلّها ومنع تفاقمها- أن تؤثِّر في العملية التربوية، وتتحوَّل التجربة إلى عبء جديد يثقل كاهل النظام التربوي ويقف عائقاً أمام نجاحه، وبذلك تكون هذه الخطوة إيجابية لكنها تحتاج إلى وقت كثير وجهود مضاعفة، حتى نستطيع القول إنَّ هناك إرشاداً حقيقياً في المدارس .
ازدهار صقور