هــذه حمـــــاة …

زرت تقريباً كل محافظات سورية الحبيبة ، و كنت أقصد الريف تحديداً، لنظافة جوه و صفاء مياهه ، ولي في تلك البقاع أهل وخلان ، فكم أشتاق لهواء الرقة ودير الزور والحسكة ، وللجلوس على ضفاف الأنهار ، ومسامرة أهلها الأخيار ، و لملمة الحطب للتمتع بوناسة النار ، أما أرياف حلب وإدلب ، فلا أتخيل جمال أشجارها وخضرتها إلا بالعودة لصورها ، التي تكاد الخضرة أن تقفز منها باسمة داعية لنا بالعودة ، وما أجمل ساحلنا الحبيب في اللاذقية وجبلة وطرطوس ، وتلك القرى التي تخالها انغرست في أماكنها من بدء الخليقة ، ترحب بك بأجمل روائح الكون، رائحة خبز التنور ، ليخبرك بتاريخ النضال والعمل، وإشراقة المجد المنتظر ، أما حمص فبالطيبة معروفة وبالفرح موصوفة ، وبالهين واللين معجونة ، لا يمكن أن تشعر بالملل فيها ، فيطيب لك الجلوس إليها ، وعندما تصل السويداء والقنيطرة ، يزول عنك كل تعب ، ولا تخاف الضيم فإنك بين القساورة ، أهل الجود و الكرم ، و تفرح إن صادفت لديهم مناسبة ، كالعرس مثلا ، الذي يمتد لسبعة أيام بلياليها، فتحسب أن الكون كامل يفرح و يمرح ويشارككم حلقات الدبكة ، أما دمشق العروبة ، دمشق الحياة ، دمشق العرين، دمشق العزة والإباء ، هي عنوان الخلود الأزلي ، هي دمر و الهامة و ركن الدين، هي مجمع السوريين ، هي المنهل والمعين، و هي العقد الأمين ، التي لا نفيها حقها ولا عن حبها حائدين، ومدينتي حماة ، القلم يرسمها كل مساء ، حماة يا ذات القامة الممشوقة و الرأس المرفوع ، ياعرين الحب مزروعاً بحدائق الفل والياسمين ، بتلك البساتين التي تزيد الخير خيراً ، بنهر العاصي الثائر ، الذي إن غرد ردت عليه النواعير حنينا ، وتراقصت صباحات المحبة بين غيوم المودة ، مدينتي حماة الزائدة عن حياض وطنها ، من تاريخها حنى لحظتها ، التي خرج منها الأهلون مدافعين ، حامين الأرض والعرض في كل شبر من سورية، وتلاحظ شوارع حماة تميل للمحبة ، وقلعتها تلوح لك بيدها باسمة ، باسقة ، كنسر يجوب فراغات الفضاء ، أما ليل حماة فلا مثله ليل ، فهو ليل البساطة والراحة، حيث تجد الناس يفترشون الأرض في كل بقعة خضراء ، يلتفون حول بعضهم البعض ، يضحكون بصوت عال، يحافظون على النظافة من حولهم ، وهنالك شيء غريب، فإنك عندما تسير في شوارع مدينتي ، فإنك تلمس هدوءاً غريباً محبباً ، كأن الوقت مقسم على الكل ويدعوك للدفء والحنان ، فهذه حماة ، وهؤلاء هم الأهل الطيبون ، وهذه سوريتي بمدنها وأهلها في أجمل فسيفساء تحاكي الأحباب وتدعوهم للمحبة و نبذ العناء .
شريف اليازجي

المزيد...
آخر الأخبار