سأتابع في هذا الجزء ما كنت قد سطرته في الجزء السابق عن الحميماتية. إن الحمام المنزلي الذي يقوم الإنسان بتربيته و الاهتمام به في الأَسْر، يعيش فترة أطول من طيور الحمام البرية . فإذا كان متوسط عمر الحمامة البرية 5 سنوات تقريبا ، فإن الحمام المنزلي يقدر متوسط عمره بين 10 – 12 سنة للإناث أما الذكور فمتوسط عمرها 12 – 15 سنة
الحمام الزاجل : هذا النوع كما أوضحت سابقا يتم اقتناؤه من قبل الحميماتية إلا أنه في السابق كان يستعمل للمراسلة حتى أن نابليون بونابرت و كما يروي المؤرخون فإن انتصاره في عكا كان الفضل فيه للحمام الزاجل الذي كان ينقل له الأخبار من خلف خطوط العدو من قبل الجواسيس
الحمام البلدي : هذا النوع من الحمام تتم تربيته في أبراج وهي عبارة عن تنكات كبيرة للزيت فارغة بجانب بعضها أو أوعية بلاستيكية أو ببناء أعشاش بشكل أبراج حيث يتم اختيار أنواع الحمام البري الجيدة و القوية كي تنتج بيضا لدرجة أن الأنثى الجيدة والقوية تبيض ست مرات في العام وبعد أن تفقس البيوض ويتم إطعامها من قبل الأبوين كما أسلفنا الذكر في الجزء الأول و بعد أن تكبر الحمامة فإما أن يتم بيعها للأكل والذبح أو إبقائها للتكاثر . يتم إطعام الحمام البلدي من الحبوب المجروشة كما أن الحمام البلدي يطير لمسافات قصيرة سيما في القرى للتفتيش عن الطعام ومن ثم يعود إلى مسكنه .
كش الحمام : كما أسلفت الذكر في الجزء الأول فإن عدداً كبيراً من الحميماتية يربون الحمام من أجل تطييره . إن سرب الحمام يسمى عند الحميماتية (كشة ) . و للكشة أسماء فعلى سبيل المثال الكشة التي تعداد حماماتها من 25 – 33 طيرا تسمى ( زرزورة ) . أما الكشة التي تعداد حماماتها من 34 – 45 طيرا تسمى ( الكتف ) . ولكي يصبح طير الحمام جاهزا للكش . يقوم الحميماتي بالعمل على تقوية طيور الحمام ففي الدرجة الأولى يترك الحمام منذ صغره يجول على سطح البيت بجانب حبيسه حيث يتركه وهو يتجول و يدخل الحبيس و يخرج منه متى يشاء كي يحفظ السطح . أيضا فإن الحميماتي يعمل على تزويج الذكر من الأنثى حتى لا يهرب وهذه الفترة تختلف من طير إلى آخر حسبما يرى صاحبه . وبعد ذلك يقوم الحميماتي بتطيير الطير مع سرب الحمام . علما أن الطيور التي يتم كشها هي من فئة الذكور فقط ، ذلك لأنه يخشى من كش الإناث كي لا تزيف باتجاه طائر ذكر آخر يطير مع سرب آخر فتتجه نحوه وقد يلحقها باقي السرب . عادة في الحي الواحد يوجد عدة مربين للحمام لذا نرى أسراب الحمام تطير وأن مجال طيران السرب الواحد يكون في نطاق دائرة قطرها حوالي الكيلو متر وربما أكثر حيث يقف الحميماتي على السطح وهو يهز بقصبة مربوط بها قطعة قماش إضافة إلى إطلاق صيحات الصفير وغيرها . هذا التصرف يكون مقبولا من الحميماتي . إلا أن بعض الحميماتية يقومون برمي الحجارة بواسطة المقلاع و غيرها ما يتسبب بإيقاع الأذى و يولد إزعاجات لدى الجوار و مشاجرات . علما أن كش الحمام هو على فترتين ، صباحية قبل أن تقوى حرارة الشمس و مسائية بعد العصر و حتى قبل غروب الشمس .
يوجد لدى كل حميماتي شبكة موضوعة على السطح و ذلك للقبض (يقولون الحميماتية مسك ) على الطير الشارد من سربه أو الهارب من سطح صاحبه فبمجرد أن يحط الطير في مجال الشبكة يقوم الحميماتي بشد الحبل ليصبح الطير تحت الشبكة و بالتالي يقوم الحميماتي بمسكه .
إن حالات مسك الحمام بين الحميماتية تخضع لثلاث حالات علما أن هذه الحالات متعلقة بالحمام فقط و لا تمتد إلى علاقاتهم الاجتماعية .
الحالة الأولى و تسمى ( صلح) : أي يكون بين ماسك الطير الغريب و صاحب الطير علاقة جيدة . عندئذ إما أن يعيد الماسك الطير الممسوك إلى صاحبه ببدل نقدي أو بطير مقابل طير أو بدون مقابل .
الحالة الثانية و تسمى (قص) : أي إن العلاقة بين ماسك الطير الغريب وصاحبه هي علاقة غير ودية بالحمام فقط ما ينجم عنها أن ماسك الطير الغريب لا يعيد الطير الممسوك إلى صاحبه و لا بأي شكل كان .
الحالة الثالثة و تسمى (قص دم): أي إن ماسك الطير الغريب يقوم بذبحه مهما كانت قيمته . حتى إن بعضهم يقوم بتعليق الطير الممسوك و هو مذبوح على قصبة و يضعها على السطح إذا كان الطير الممسوك عائد لأحد الجوار ومن الممكن أن يراه هذا الجار كي يغتاظ وربما تأتيه جلطة تكون القاضية
مقاهي الحمام : في الوقت الحاضر يتم بيع و شراء الحمام بواسطة المحال أو بواسطة سوق الخميس أو سوق الجمعة. إلا أنه في السابق كان يوجد في حماة مقاهٍ تسمى الواحدة منهن (قهوة الحمام) و انت هذه المقاهي منتشرة في حماة . أنا شخصيا أذكر وجود عدة مقاهي للحمام . فإحداهن كانت أمام جامع الأحدب و هي آخر مقهى تم إنهاء العمل بها منذ ثلاثين عاما تقريبا كما أذكر وجود مقاهٍ أخرى في نهاية سوق الطويل و في جورة حوا و في الحاضر قرب مقهى جلالا . حيث يكون جميع مرتادي هذه المقاهي من الحميماتية حيث يتم في هذه المقاهي بيع و شراء الحمام كذلك شراء طعامه وعدة زينته من الحبسات التي توضع في أرجل الحمام و الشكلات التي تكون عادة من الفضة و توضع في العنق . كذلك يتم التمتع بمرأى الحمام . وبالطبع فإن مرتادي تلك المقاهي يتناولون المشروب و الذي يكون من الشاي فقط إذ لا مكان للقهوة أو لأي مشروب آخر في مقهى الحمام .
بعض طرائف الحميماتية : إن طرائف الحميماتية كثيرة جداً. وسأذكر فيما يلي ثلاثاً منها:
رفض مربي طيور تركي مقايضة أنثى طير الحمام لديه الملقبة بـ ( الملك ) و هي من فصيلة كورنك بثلاث سيارات فارهة تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات
مربي طيور في حماة و هو من أحد وجهاء مدينة حماة وكان يقطن في قبو ستي حنيفة بشارع المرابط و تعود القصة التي سأذكرها إلى أكثر من ستين عاما . كان من بين طيور هذا المربي طير حمام نوع (ماوردي ) و كان هذا الطير خارقاً في الجمال لدرجة أن صاحبه لم يكن يحلو له شرب قهوته الصباحية أو عند العصر إلا والطير يتمختر أمامه في فناء الدار . وكان هذا الطير موضع حديث منه لجميع أصحابه .
كان ابن هذا الرجل يقوم بكش الحمام فقال له والده هذا الطير ممنوع عليك كشه . ظل الابن ملتزما بتوصية والده له . لكنه أراد أن يجرب كشه ، وعندما كشه مع السرب عاد سرب الحمام دون طير الماوردي . فما كان من الابن إلا أن ذهب على الفور إلى مقهى الحمام التي بجانبهم واشترى طيراً ماوردياً وقام بقتله بشكل يوحي لوالده أن الهرة قد هاجمته وقتلته تشويها . وقام برميه على سطح الجيران ، وعندما عاد والده ظهرا من العمل قال الابن لوالده لا أدري من ترك حبيس الماوردي مفتوحا حتى حضرت الهرة وقتلته وقد رميته على سطح الجيران حتى لا يزعجك منظره . إن ما كان الابن يقصده من رمي الطير على سطح الجيران هو أنه على البعد لا يمكن تمييز معالمه عند رؤيته من قبل والده . حزن الوالد حزناً شديداً وبعد حوالى شهرين وبينما كان الوالد جالسا عصراً في فناء المنزل يتمتع بمنظر الحمام وإذا بالطير الماوردي يحط في فناء المنزل . استغرب الأب ذلك لأنه كان يعتقد أن الطير قد قتلته الهرة . قام الأب وفتح باب حبيس الطير ليتأكد منه، فإذا به يسرع ويدخل لعند أنثاه . عندها أدرك الأب حقيقة الأمر . وأن الطير هرب من عند الشخص الذي مسكه و عاد إلى مسكنه الأصلي . لم يتكلم الأب شيئا . و عندما جاء ابنه قال له الأب افتح باب الحبيس مشان تطلع الماوردية أي أنثى الطير . وعندما فتح الابن باب الحبيس فوجئ بالطير الماوردي الهارب فأصابته الرجفة . عندها قال له أبوه شوهاد فقال الابن (شومعرفني يحيي العظام و هي رميم )
من المعروف أن طير الحمام مهما ابتعدت به المسافة فإنه يعود إلى مكانه .
لي قريب مقيم في عمان بالأردن . منذ حوالي عشرين عاما ذهب والده لزيارته ولما كان الابن مولعا بتربية الحمام فقد أعجب الأب بأحد الطيور . حيث طلب من ابنه وضعه في قفص وجاء به إلى حماة حيث أبقاه مدة شهرين ضمن مكان ولا يسمح له بالطيران . وبعد شهرين خرج الطير من المكان الذي هو موجود فيه خلسة دون أن ينتبه الأب لذلك و أطلق جناحيه للريح ، فإذا بالابن يتصل بأبيه في اليوم الثاني قائلا له بأن طير الحمام قد رجع إلى عمان.
وإلى اللقاء في ذاكرة جديدة
المحامي معتز البرازي