على صفاف العاصي : أين تكمن الأزمة؟

لماذا يحرق المرء دمه وأعصابه بأسيد الكتابة، ويصلب نفسه على أسنَّة الأقلام، أو يحشرها في محرقة الكتب ليجد من يستهجن الكتابة والكتاب، ويدعو إلى الإعراض عن كل ما يمتّ إلى الثقافة بصلة لأنها ـ كما يقولون ـ لا تطعم خبزاً.
من منا لم يسمع الألسنة تلهج بوجود أزمة في الحصول على سبل العيش، وتوفير ضروريات الحياة، دون أن نسمع أحداً يتحدث عن وجود أزمة ثقافية تعاني منها العقول المصابة بفقر ثقافي كما تصاب الأجسام بفقر الدم…؟
أليس من المؤسف حقاً أن يعزف شبابنا عن حضور الأنشطة الثقافية، والمحاضرات العلمية، فنجدهم ذوي ثقافة ضحلة فلا يعرفون أبسط الأمور… والجمهور ـ بحمد الله ـ من الكهول والشيوخ الذين بلغوا سن التقاعد أو تجاوزوه؟!
أين من يحدثنا بدقة عن تاريخ بلاده، بل تاريخ بلدته، بل تاريخ منطقة أثرية واحدة فيها؟ وسائق سيارة أجرة في موسكو يشرح لأديب عربي كل شيء يخص ماضي الاتحاد السوفييتي، ثم يعرج على المناطق الأثرية في المدينة فيعرفه عليها كعالم آثار محترف، ليصل إلى ظروف الحرب العالمية الثانية فيصف له كسياسي الأيام العصيبة التي عاشتها البلاد، ويشرح له أسباب انتصارهم على العدو النازي، كما يحدثه كأديب عن الأدباء الروس كتولوستوي وغوركي وبوشكين وتورغينيف وغوغول… وأشهر أعمال كل منهم.
إن أزمتنا الثقافية تتجلى في عزوف جيل الشباب عن القراءة، وهو أمر خطير يهدد وجودنا وكياننا… وأما الأجيال الأخرى الأكبر سناً فنراها مشغولة باللهاث وراء المادة فيعاني معظمها من خواء فكري وثقافي كبير…
أليس للثقافة أهمية كبيرة؟ للإجابة عن هذا السؤال يكفي أن نعلم أن العدو الصهيوني حينما غزا لبنان عام 1982 هاجم ـ أول شيء ـ مركز البحوث والدراسات الفلسطيني، فنهبه ودمره.
فمجحف بحق الوطن والأمة من لا يشعر بالمسؤولية في أمر خطير وهام كالثقافة.

د. موفق السراج

المزيد...
آخر الأخبار