عندما ينمو الطفل في عائلة تتكرّر فيها الشجارات ولا ينفك الوالدان عن الصراخ بوجه بعضهما أمام أولادهما، ويشاركان (بشكل مباشر أو غير مباشر) أطفالهما في مشكلاتهما… كل ذلك يمكن أن يؤثر سلباً على الطفل.
وهذا التأثير يستمر لسنوات، فهو لن يتبخر ولن يختفي، بل يتحوّل عند الطفل الذي كان يعيش تلك الشجارات، إلى إضطرابات نفسية، ويمكن أن تصل إلى أمراض نفسية. فلا يمكن لأحد أن ينكر تأثير سلوك الوالدين الخاطئ على الأطفال وشخصيّتهم.
إذاً ما هو دور العائلة في الاستقرار النفسي عند أطفالهم؟ وكيف يمكن مساعدة هذا الشاب (أو الشابة) في حال وجود تلك المشكلات العائلية التي «تسمّم» حياته يومياً؟ خصوصاً في ظل الأوضاع التي نعيشها اليوم بعد سنوات الحرب الطويلة التي خرجت منها أغلب الأسر منهكة نفسياً ومادياً وحتى اجتماعياً
أكّدت جميع الدراسات المتخصصة بعلم نفس الأطفال التأثّير الكبير للطفل بالجَوّ المنزلي وبطبيعة العلاقة التي تجمع والديه. فإذا كان شاهداً على خلافات عائليّة، تظهر لديه علامات منها: قلق التركيز والعدوانية وعدم احترام الحدود مع الآخرين، ناهيك قلّة شهيّة وبطء في عملية الهضم ينتُجان من شعوره بالحزن، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشكلات متعلقة بالأكل، إضافةً إلى ظهور بعض المشكلات النفسيّة، منها القلق والخوف من الآخر وصولاً إلى الاكتئاب. في المقابل أكّدت دراسات أخرى أنّ الطفل الذي يعيش في أُسرة مستقرّة نفسياً مع علاقات سوية بين مختلف أفرادها، يتمتع باستقرار نفسي.
رأي أهل الاختصاص
المرشدة النفسية سها ميخائيل تحدثنا عن الموضوع وتقول : عائلة سوية… عائلة غير سوية يمكن تعريف العائلة على أنّها مجموعة أشخاص يتشاركون ليس فقط المنزل ذاته، ولكن أيضاً يجمعهم ترابط وراثي يجعلهم يتشابهون بالكثير من الأمور الجسدية والنفسية. وتلعب العائلة أو أفراد العائلة دوراً أساسياً في النمو النفسي السوي عند المراهق، الذي لا ينتظر من أهله سوى الاهتمام والإصغاء.
كما ان العائلة هي مصدر أساس للحبّ والدعم والتشجيع. وليس هناك أروَع من التمتّع بالدفء الأُسَري الذي يخلق استقراراً نفسيّاً عند الطفل ويساعده في بناء شخصيّة متوازنة. ومع العلم أن المراهقة مرحلة صعبة يمرّ فيها كل إنسان، حيث يتخللها الكثير من اختلافات في وجهات النظر وصولاً إلى مشكلات سلوكية، ولكن هذا لا يعني أن يستسلم الأهل للمصاعب.
فاختلاف وجهات النظر بين أفراد الأسرة الواحدة أمر طبيعيّ، خصوصاً أنّ لكلّ فرد تكوينه النفسي الخاصّ المختلف عن غيره. الطفل في جو عائلي متشنج عندما يعيش الطفل في كنف عائلة تتكرّر فيها المشكلات التي عادة تحدث بين الزوجَين، «سيخاف» على أهله، من التفكّك الذي يمكن أن يحدث… وسيشعر بأنّه جزء من هذا الخلاف وربما هو سبب هذا الخلاف. وتتأرجح مشاعره ما بين الخوف على أهله وقلة شعوره بالأمان.
نتائج المشاجرات بين الأهل
أولاً، الانطوائية والبحث عن العزلة، وهي من أكثر المشاعر التي تقود المراهق إلى الانغلاق الإجتماعي وعدم الاكتراث بما يدور من حوله. بل يكون كل تركيزه يدور حول الأمور العائلية والمشكلات بين الوالدين.
ثانياً، العدوانية تجاه رفاقه في الصف أو أصدقائه في الحي… تكون هذه العدوانية سبباً مباشراً لخسارة الكثير من الأصدقاء. ويُبدي المراهق نوعاً من الخلل في الانضباط السلوكي والنفسي، جرّاء عدم التوازن في الأسرة، يتجلّيان عبر بعض المشكلات التي يثيرها في المدرسة أو مع أصدقائه وإخوته.
ودور الأخصائي النفسي المدرسي في هذا المضمار هو اكتشاف سبب العدوانية التي يمكن أن تكون مفرطة في بعض الأحيان، ومعالجة الموضوع سوية.
ثالثاً، عدم الثقة بالنفس. وهو يتجلّى من خلال خوف دائم من المستقبل. وعدم ثقة بالنفس يمكن أن يحملها الى مدى عمره بسبب الشعور بأنّه سبب مشاجرات أهله. ويتحوّل عالمه، الذي كان مفترَضاً أن يكون مليئاً بالحبّ والانسجام العائلي، إلى عالم بغيض تشوبه المشاحنات والمخالفات. لذا من المهم أن يُفَسَّرْ للأولاد بأن ليس لديهم أية علاقة بمشكلات أهلهم، و ليسوا سببها.
رابعاً، قلة في التركيز خصوصاً خلال الحصص المدرسية، وعدم القدرة على الاستجابة للآخر بشكل سوي مع سلوكيات يمكن أن تتصف بـ»ضد اجتماعية
خامساً، مشاكل نفس – جسدية، كالأوجاع في كل أنحاء الجسم، حتى يمكن أن يعاني الطفل من القلق المزمن والقلق المعمم.
كيفية مساعدة الطفل هناك العديد من النقاط التي يجب أن يقوم بها الوالدان للتخفيف من التأثيرات السلبية على ولدهما .
فكما ذكرنا، يتأثر الطفل بشكل كبير بالجَوّ العام في المنزل، وبكلّ كلمة ينطقها والداه، أو كل تصرّف يقومان به. لذلك تقع عليهما مسؤوليّة إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز خلافاتهما وتحييد آثارها السلبيّة عن أبنائهما وضمان نموّهم السليم.
ودور الأب والأم في هذا السياق هو: – أن يكونا قدوة لولدهما ، فلا يجب أن ينسى الأب بأنّه المثل الأعلى لابنه، وهو سيتمثل به من خلال تصرفاته الجيدة. كما للأم دور أساسي في مساعدة طفلتها في اجتياز مرحلة المراهقة وهذه المرحلة العمرية الدقيقة بشكل صحيح. ولايجب أن ينسى الأهل أنّ أطفالهم يشاهدون ويلاحظون.
– تقديم الأمان لجميع أفراد العائلة والإبتعاد عن الصراخ والتشنجات أمام الأطفال المراهقين واعتماد مبدأ الحوار الهادئ والبسيط.
– إظهار الحبّ للأبناء: فمهمّة الوالدين لا تقتصر على تأمين المواد الأساسيّة كالطعام والشراب، بل عليهما الاستماع جدّياً لمطالب أولادهما، ومنحهم وقتاً كافياً للاستماع إلى مشكلاتهم اليوميّة ومحاولة حَلّها.
– من أهم المبادئ التي على الوالدين تطبيقها، هي وضع قواعد يلتزم بها الطفل داخل المنزل وخارجه، ليتعلّم الانضباط.
– لا شجار ولا توتر أمام المراهقين. والحل الوحيد لمعالجة المشكلات هو الحوار ثم الحوار ثم الحوار. ويمكن أن يطلب الأهل المساعدة من الأخصائي النفسي المدرسي إذا لم يستطيعوا السيطرة على الوضع.
ازدهار صقور