كنتُ قد أقسمت لزوجتي العزيزة أني لن أعود للكتابة عن طفولتي وشقاوتي في المدرسة علماً بأنها تقرأ كل كتاباتي قبل نشرها ولكنني لم أبر بوعدي لها ،فها هي ذاكرتي الحبلى بالصور تقودني رغماً عن أنفي إلى الماضي البعيد القريب وإلى أيام الابتدائية وتحديداً في الصف الرابع ، كانت تبعد مدرستنا عن القرية عدّة كيلومترات وكنَّا نغدو إليها مشياً على الأقدام فرادى وجماعات في الذهاب وفي رتلٍ أحاديٍّ ومنتظم في الإياب وكل من يخرج عن الرتل يميناً أو شمالاً كان عريف الرتل الموضوع من قبل المدير يسجّل اسمه وبناءً على المقولة الشهيرة( خالف تُعرف) خرجت إحدى المرات من الرتل العائد إلى القرية ومعي لفيف من أصدقائي وسلكنا درباً مختصرةً تسمى طريق الكينا وذلك لكثرة أشجار الكينا على جانبي الطريق .
صبيحة اليوم التالي وبعد ترديد الشعار أخرج المدير من جيبه ورقة بيضاء صغيرة ونادى بصوته المخيف فلان وفلان وفلان ابقوا في الساحة والباقي إلى الصفوف،اتجه المدير نحو غرفة الإدارة وما هي إلا لحظات قليلة حتى خرج علينا وبيده عود رمّان مقشَّر وغليظ وما إن رأيت العود أخذت مفاصلي ترتعش هلعاً وخوفاً ،وأيقنت أننا سوف نأخذ نصيبنا من لسعات عود الرمان ،أمرنا المدير أن نفتح أيدينا وبدأ ينهال علينا بالضرب وبكل ما أوتي من قوة ( هون بينفعك وهون بضرّك) حتى تورمت أيادينا الصغيرة واحمرّت كأرغفة الخبز الخارجة من التنور .
ذاك اليوم لم تجف دموعي من البكاء والألم وأذكر وقتها أنّي عدت ظهراً إلى البيت ودموعي مازالت تتهاطل بغزارة ويداي متورمتان ، لم تثننا العقوبة عن الهرب ثانية من الرتل الأحادي فتكرّر هروبنا الجماعي عدّة مرات وكنّا نضرب بنفس العود ومع مضاعفة عدد اللسعات ،أصاب مديرنا اليأس فقرر أن يضعني عرّيفاً للرتل الأحادي وذلك لتفادي هروبي المتكرر وعلمه بأنني العقل المدبر لمجموعة الهاربين من الرتل والمسؤول عن كل شغب يحدث في المدرسة .
ومن وقتها أصبحت المثال الذي يحتذى به والتلميذ النشيط والمجتهد وبشهادة المدير ومعلمة الصف وشهادات التقدير والامتياز التي كنت أحصل عليها .
حيان الحسن