يحكى أن حطاباً عجوزاً وزوجته كانا يعيشان في كوخ صغير بالغابة المجاورة للقرية.
كان الحطاب فقيراً جداً.. يأخذ كل صباح فأسه ويذهب للغابة كي يجمع الحطب، ويبيعه ثم يشتري لزوجته ما تحتاجه من كساء وطعام.
وفي أحد الأيام… حمل الحطاب العجوز فأسه وراح يتوكأ على عصاه إلى أن وصل إلى شجرة ضخمة وارفة الظلال وقف أمامها ونظر بعينيه المتعبتين وبكى.. وبكى…لأنه لم يعد شاباً وقادراً على حمل الفأس وتحطيب الأشجار…ولا مجال للعيش إلا على هذا السبيل لكن ما العمل..؟
لابد من جمع الحطب وكسب لقمة العيش مهما كانت الظروف والأسباب.. مسح دموعه بمنديله (الرث) وحاول أن يستجمع قواه ثم هوى بفأسه على الشجرة.. فصاحت:
ـ لا… لا… تفعلها أيها الحطاب العجوز كفاك شقاء وتعباً.. سوف أريحك من شقائك هذا.
توقف وتأملها.. ثم قال:
ـ ياإلهي.. ماذا أسمع… أنت تتكلمين..؟ أيتها الشجرة الضخمة…
أجابته وهي تضحك…
ـ أجل.. أنا أكلمك.. احفر الأرض تحت قدميك وبالقرب من جذعي تجد بعض القطع الذهبية خذها أيها العجوز الطيب إنها لك ثم أردم التراب واذهب…
طوق الحطاب جذع الشجرة بيديه المتعبتين وعانقها فرحاً، ثم فعل ماأمرته به.. أخذ القطع الذهبية وركض ساقاه سابقت الريح فرحاً وغبطة.قرر ألا يخبر أحداً بما جرى معه حتى ولا زوجته، وبعد يومين عاد للشجرة مبتسماً…نادته:
ـ أفعل كما فعلت في المرة الأولى… هيا أيها الحطاب الطيب فنحن أصدقاء تعال.. واقترب سوف تجد المال.. إنه لك.
أخذ الحطاب القطع الذهبية واشترى لزوجته ماتحتاجه والفرحة تغمره. إنه لن يتعب بعد اليوم كفاه شقاء الأعوام الماضية… الشجرة تحبه وتعطيه مايكفيه من المال لأنه لم يمسها بأذى.
كان للحطاب رفيق درب متوسط العمر (قوي البنية) صحته جيدة كل يوم يخرج معه للغابة أو يلحق به لكنه شاهد على الحطاب العجوز بوادر نعمة وسعادة، فاستغرب.
وفي أحد الأيام لحق به للغابة ووقف عن بعد وسمع مادار بينه وبين الشجرة، من حوار وشاهده وهو يحفر الأرض ويخرج منها القطع الذهبية فاقترب منه وسأله والطمع يغمر وجههه وأحاسيسه..
ـ هل هذه الشجرة حدثتك وأعطتك مالاً..؟ لقد رأيتها وسمعتها تفعل ذلك.
ـ أجل إنها رثت لحالي وليس عندي ولد يساعدني على متاعب الحياة.
راح العجوز وابتعد.
اقترب الرجل من الشجرة وقال لها:
ـ إيه.. أيتها الشجرة الحنونة أعطني مالاً كما أعطيت هذا العجوز.. لكنها لم تحفل به ولم تنطق.
حفر الأرض حولها.. وبين جذورها.. نبش التراب لكنه لم يجد شيئاً. وفي اليوم التالي فعل كما فعل في المرة الأولى لكنه لم يجد شيئاً.
ثم عاد في اليوم الثالث لكنها لم تجبه ولم تنطق بحرف واحد.. هوى عليها بفأسه وضربها ضرباً مبرحاً حتى شوه جذعها وحفر الأرض ونبش التراب بيديه فخرج من التراب (عقرب) سام لدغه وأفرغ سمه في أصابع يديه فصاح متألماً… ووقع على الأرض مغمى عليه.
ضحكت الشجرة وقالت له:
ـ أيها الحطاب الطماع الحسود إنك تستحق ماجرى لك لأنك سوف تموت غيظاً وحسداً من الحطاب الفقير العجوز. فاعلم ياهذا (أن الطمع ضر ما نفع).
رامية الملوحي
المزيد...