يداهمنا الشتاء كل عام و كأننا ننسى موعده لأننا نعيش وساعة الصيف و حريته ، هكذا هي حياتنا ، تتعاقب الفصول ، و ما علينا إلا التكيف معها ، إن أحببناها أو لا ، فمنا من يفضل الصيف على الشتاء ، و آخرون على العكس ، و بات المناخ منقلبا عن السابق ، حيث في الماضي كانت الفصول واضحة أكثر من الوقت الحالي ، لكن في الحقبة القليلة الماضية ، بات الوضوح للصيف و الشتاء فحسب ، مع بعض التأثيرات البسيطة للربيع و الخريف ، و يرد هذا للانقلاب المناخي العام .
الأربعينية
يبدأ الشتاء بتقلبات عامة للجو ، ثم نلمس البرودة و أحيانا التجمد ، و الصقيع أحيانا ، و نسمع بأن أبرد أيامه هي الأربعينية أو ( المربعينية ) بالتعبير العام ، التي تعد بداية الشتاء الحقيقي ، و يكون معدل الأمطار فيها عاليا ، و يشكل نسبة مرتفعة من المعدل العام للهطولات ، و تبدأ الأربعينية في 21 \ كانون الأول ، و تستمر لمدة أربعين يوما ، ثم تعقبها السعودات .
الخمسينية
تنتج الفصول الأربعة عن ميلان محور دوران الأرض على مستوى دورانها حول الشمس ، هذا ما يعرف بالتقويم الشمسي ، و يكون الانقلاب الشتوي عند بداية الأربعينية ، التي تنتهي في 31 \ كانون الثاني ، لتبدأ الخمسينية في أول شباط ، و تستمر لمدة خمسين يوما ، تقسم لأربعة أقسام ، كل قسم يتألف من اثنا عشر يوما و نصف ، و هي ما تعرف بالسعودات ، و تتألف من : سعد دبح و سعد بلع و سعد السعود و سعد الخبايا .
السعودات
سعد دبح ، تكون فيه البرودة شديدة ، و ممكن أن تؤدي لموت الماشية في البرية ، أما سعد بلع التي يبدأ في 12 شباط ، و فيه ممكن أن تكثر الأمطار و تكون الأرض مستعدة لسحب كل مياه الأمطار أو بلعها ، أما سعد السعود ، ففيه تبدأ بداية حركة حياة النبات من السبات ، و يقول المثل : في سعد السعود تدب الماوية بالعود ، و يترافق مع ذلك بداية انحلال الجليد إن وجد ، يعقبه سعد الخبايا ، و يدل على خروج كل الأحياء من مخابئها ، حيث تكون أيام الشتاء في نهايتها .
المستقرضات و الحسوم
المستقرضات وتُسمى ( أيام العجوز ) لأنها تقع في عجز الشتاء أي في آخره , وهي أربعة من آخر شباط وثلاثة من أول آذار ، وسمّاها العرب : الصِنّ و الصِنْبَر و وَبْرْ و آمر و معلل و مُطفي الجَمْر، حيث يشتد ّفيها البرد ويسمّيها العامّة برْد العجوز ، أي الطاعنة في السن ، أما الحسوم فهي ستة أيام من 11 آذار حتى 16 منه ، يعقبها ما يسمى سقوط الجمرات الثلاث في 20 شباط و 27 منه و 6 آذار .
من هو سعد؟
سميت أيام الخمسينية بالسعودات ، مفردها سعد ، التي نقلت لنا الأحداث التاريخية و الأسطورة سيرته و قصته ، و هي : أن سعداً أراد السفر في نهاية كانون الثاني ، فحاولت والدته ثنيه عن السفر لبرودة الطقس ، واحتمالية تعرضه لصعوبات من مطر وعواصف وغيره ، لكنه أصر على السفر، وفي بداية شباط ، انهمرت الأمطار المصحوبة ببرد شديد، فقالت الأم: إن ذَبَحَ سعد يسلم ، و في تلك اللحظات ذبح سعد ناقته وأزال كرشها واختبأ في داخلها ينهش من كبدها لمدة 12.5 يوماً ، ثم بلع أو أكل في الفترة الثانية (12.5) يوماً ما تبقى من اللحم فقيل (سعد بَلَع)، وعندما زالت موجة البرد الثانية، لبس جلدها فرحاً بنجاته من الهلاك، فقالوا: سعد السعود ، ثم خرج من مخبئه فقالوا سعد الخبايا ، و بعض العلماء يردون السعودات لارتباط فلكي ، و لهم في ذلك حججهم العالمية .
المحرر
يعد علم الأرصاد الجوية حديثا نوعا ما ، بالنسبة للموروث الشعبي الذي يحمل بين طياته حقائق لا يمكن الحياد عنها بعدما تم التأكد من صحتها ، و ضمن الموروث الشعبي توجد تفاصيل كل أيام الشتاء و المناخ عامة ، لكن حاليا باتت الأحوال الجوية متغيرة بسرعة ، و تنحو باتجاه وجب دراسته و تثبيت أركانه ، كما يجب أخذ الاحتياطات كاملة لمواجهة الشتاء و الحذر من برودته ، و نتمنى أن يكون الخير فيه وافراً ، و البرد فيه آفلاً …
شريف اليازجي