من صفحاتهم في صورة المعلم

كتب د .سعد الدين كليب عن أثر أستاذه الشاعر علي دمر في ميله إلى الشعر قائلا:
دخل علينا مدرس اللغة العربية بقامته القصيرة وكرشه الناتئ وهندامه الرث، مما أثار فينا، نحن تﻻميذ اﻷول اﻹعدادي الجدد، الغرابة واﻻبتسام. دخل علينا ممسكا بكتاب النصوص، وهو يتأملنا واحداً واحداً، ثم توجه إلى أحد التﻻميذ في المقعد اﻷول، وأعطاه الكتاب طالبا منه القراءة. لم يكد التلميذ يقرأ بيتاً من القصيدة حتى طلب ممن بجانبه متابعة القراءة، ثم انتقلت القراءة إلى تلميذ ثالث فرابع وخامس… حتى جاء دوري، وكنا نحن التﻻميذ قد دخلنا في الرهبة من الموقف، فالمدرس ﻻ تعجبه قراءة أحد. بل إن التجهم بدأ يظهر على محياه كلما مشى الدور بين التﻻميذ. بدأت بالقراءة، وأنا أحلم أن يوقفني في نهاية البيت، كما فعل مع غيري. لكنه لم يفعل، ولم يفعل أيضاً في نهاية البيت الثاني والثالث. كنت أقرأ منتظراً إيقافي دونما جدوى. قرأت القصيدة كلها. ثم سألني اﻷستاذ: ما اسمك يا بني. قلت سعد الدين كليب. قال: أنت شاعر يا كليب. فوجئت بما قال، إذ لم أكن قرأت شيئاً من الشعر خارج المواد الدرسية، ولم يكن لي اهتمام بالفنون أصﻻ.
فصل دراسي كامل مضى، وأنا من عليه أن يقرأ الشعر والنثر، في مطلع كل درس. صرت أحضر الدروس في المنزل وأقرأ القصائد أمام المرآة، وأحاول تجويد القراءة ما أمكنني، حتى أكون عند حسن ظن اﻷستاذ الذي كان يفتتح الدرس بكلمته الأثيرة: أقرأ يا كليب.
فصل دراسي واحد فقط، وغادرنا اﻷستاذ إلى السعودية، ولكن ما انتهى العام الدراسي إﻻ وكنت أجرب كتابة الشعر. صار الشعر هواي.
غاب اﻷستاذ الشاعر علي دمر الحمرا، وبقيت ذكراه، بقي جنون الشعر والفن والجمال.

المزيد...
آخر الأخبار