في صفحة القاص رشيق عز الدين سليمان، منشور يزف لنا خبر اقتراب صدور مجموعة قصصية جديدة، وقدم لها الشاعر توفيق أحمد:
مقدمة الإعلامي و الشاعر توفيق أحمد لمجموعتي القصصية ( أريد شمساً) … و التي ستصدر قريباً عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق:
أعترفُ أني أكتبُ تقديماً لمجموعة قصصية , هي لِعزيزٍ , وابْنِ عزيزٍ , لروائي وقاص ابن شاعر مرموق…
إلا أنني أزعم أنَّ باستطاعتي تحييدَ العواطفِ والكتابةِ بما تُمليهِ عليَّ تجربتي الطويلةُ في عوالم الأدب في سورية والوطن العربي وبعضِ دول العالم … الأدبِ الذي يجب أن يكون صانعوه وقارئوه ومنتقدوه في غاية المصداقية وتجلَّي الوجدان .
إنَّ أكثر ما لفت انتباهي في قصص رشيق سليمان هو أنني وأنا أقرؤها سعيدٌ ومنسجمٌ ومتفاعلٌ مع الأحداثِ والمجرياتِ واللغةِ والمصداقيةِ الهائلةِ التي يتمتعُ بها الكاتبُ ؛ بمعنى أَنَّ صدقَهُ طافٍ على سطحِ وأعماقِ الكلامِ مَعَ محاولاتِهِ المستمرةِ في كل جُمَلِهِ وعباراتِهِ المحافظةَ على إدراكِ وإتقانِ الأدواتِ الفنيةِ لكتابةِ القصةِ كَأَحَدِ الفنون الإبداعية التي لا تحتلُّ المرتبةَ الأولى عند القارئ هذه الأيام .
إضافةً إلى الإرادةِ الواضحةِ عند رشيق لأَنْ يُشَكِّلَ إضافةً لِمَا هو موجودٌ في عالم القصة , وأعتقد أن ذلك قد حدث رغم صغر سنه عند كتابة أغلب قصص المجموعة , بمعنى أن التجربةَ الحياتيةَ تحتاج إلى زمن طويل لإشباع النضج والمعارف , ولكنه في زمن قصير استطاع أن يكون مراقباً وقارئاً وعارفاً وصاحبَ موقف ضَمًّنَهُ في مجموعته القصصية « أريد شمساً « .
توجد قصة أو قصتان قصيرتان بالنسبة لحجم القصص الأخرى التي تبدو طويلة مُنتسِبةً في ذلك إلى عالم القصة بشكله الكلاسيكي المعروف . علماً أنني لم أُصَبْ بالملل أبداً عند قراءة القصص الطويلة وهذا ما أعزوه إلى قدرة رشيق على شدّ القارئ والعيشِ مع القصة وتفاصيلِها إلى آخرها .
في ( قصة حذاء ) استحضارٌ لزمنٍ ما وربْطُهُ بمراحلَ زمنيةٍ متعددةٍ وتوظيفُ عمليةِ تبدُّلِ لابِسيِّ الحذاء وتناقضاتِهِمُ المسلكيةِ والوظيفيةِ والحياتيةِ والبحث ولو بحدود في التبدلات النفسية للناس الناتجة عن حاجاتٍ وأحلامٍ . قصةُ حذاء تحكي عن الفجوات الواضحة بين طبقات المجتمع . في قصةِ ( فابتسم ) يتحدث عن الفقد واليتم وموت الأم والجدة التي ربَّتِ الشابَّ بعد وفاة أمه وخروجه إلى الشارع بدون عمل بعد انتهاء مدة إقامته في دار الأيتام … لا عمل ..لا جدوى … لا أمل … تشرد وضياع وبؤس . رأى أن الحل هو السرقة ومن ثَمَّ المحاكمةَ والإحالةَ إلى أحد مشافي المجانين الكثيرة في بلد القصة .
في القصة التي تليها كميةٌ هائلةٌ من الشعر والتاريخ والدراما وهي قصة ( مفتاح ) . في قصة ( حلم بعيد ) اعتمد رشيق في توصيفٍ لحالَتَيْ الحُلُم والإبداع مسلكاً لغوياً وخيالاً واعياً غيرَ مألوفٍ عموماً … أيضاً في قصص أخرى تم التطرقُ لموضوعات الإحباط والعَوَز … وإمكانيةِ اصطيادِ العرّافينَ والشحاذينَ والمحتالينَ للبشر حَسَنِيِّي النية , ثم تحدَّثَ عن إمعان الرجل في إعادة صناعة الحُلُم وإمعانِ المرأة في إتقانِ تبديلِ الأدوارِ ولكنْ ليس إلى آخر الطريق . ثُم في قصة أخرى تحدثَ عن المهاجرين من جنسيات مختلفة الذين يلفظون أنفاسهم وهم متجهون إلى قاع البحر قائلين : نريد وطنَنَا … في القصص الأخرى حديث عن الإرهاب … وعن ربيع عمر الشباب الذي تزامن مع خريف البلاد وهجومِ الإرهاب المسلح … وعن الحرب في سورية وماذا حصل للناس , وكيف أن الدِّماغَ أصبح أوتوستراداً مهترِئاً من الذكريات والأوجاع . ويقول رشيق رداً على مقولةِ ( أبناؤكم ليسوا لكم …إنهم أبناءُ الحياةِ ) : لا يمكن لهذه الحياة أن تكون أُمَّنَا !! ولا يمكنُ لأُمٍّ أن تكونَ قاسيةً لهذا الحدِّ مع أبنائها !! .
كما أنَّ قصصاً أخرى تحدثت عن أهمية الانتماء والالتصاق بالأرض والوطن والدفاع عنه حتى آخر الطريق .
تميزت قصص رشيق بأنها حملت آراء جريئةً وصريحةً بقضايا متعددةٍ بلباسٍ أدبيٍّ سرديٍّ لائقٍ .
وتنوعت موضوعاتُ القصصِ بحيثُ تحدثتْ عن الواقع المعاش اجتماعياً وسياسياً ولفلسطينَ الحبيبةِ نصيبٌ وافرٌ من هذه القصص .
والقاص رشيق كاتبُ هذه المجموعة أصدر سابقاً روايةً بعنوان ( ضفافُ الخطيئة ) تحدثَ فيها عن الخطيئةِ الجَمْعيةِ للمجتمع التي تدفع الأفرادَ للخطيئة .
إنَّ رشيق بدا أنه متمكنٌ منَ السرد وتضمينِهِ ما يُريدُ من رسائل الحياة التي يريد المبدعُ لها أن تصلَ حاملةً إمكانيةَ التغييرِ والنَّماءِ والتنويرِ لما فيه خيرُ المجتمعات .
أتمنى لك يا رشيق مستقبلاً حافلاً بالتميز والإبداع , ولعلَّكَ سَلَكْتَ هذا الطريقَ بوضوحٍ وموهبةٍ وإرادةٍ وإيمانٍ برسالةِ الأدبِ والثقافة .
وانتهى المنشور بعبارة:
كل الشكر و المودة للشاعر توفيق أحمد..!