باتت الدروس الخصوصية من نسيج المنهاج التربوي الحديث فليس بإمكان أي طالب طموح الابتعاد عنها لأن المدارس لم تعد تكفي الطالب المجتهد الذي يهدف الحصول على معدل مرتفع و نتائج جيدة بجميع المواد ليتمكن من دخول الجامعة التي يحلم بها .
وقد أصبحت ظاهرة متفشية يستاء منها الكثير من جهة و يستفيد منها آخرون من جهة أخرى، بينما انعكست سلباً على جيوب الأهالي التي أضنتها الحرب .
فلقد تحولت العملية التعليمية إلى سلعة تخضع للبيع و الشراء فأثرت بالتالي على الطلاب ذوي الدخل المحدود ،رغم ضرورتها لتلافي النقص و سد الثغرات التي يعاني منها الطلاب ، لمعرفة آثار هذه الظاهرة على المجتمع أجرينا التحقيق التالي :
واقع مفروض
لمى أكوشيان أم لطالب في الثانوية العامة قالت : أصبحت الدروس الخصوصية واقعاً مفروضاً وأمراً لايقبل النقاش، فهدف أغلب الطلاب الحصول على معدل عال ليتمكنوا من المنافسة على مقاعد الكليات التي تزداد معدلات القبول فيها باستمرار ، إضافة إلى ضرورتها لتلافي التقصير الواضح الذي يسببه بعض المعلمين الذين لايقومون بواجبهم التدريسي أثناء الدوام النظامي أو يكثرون من الغياب أو بسبب أن المنهاج الدراسي المقرر لاينتهي مع انتهاء العام الدراسي فهو يحتاج لوقت أطول فيضطر الأهل والطالب للاتجاه إلى الخصوصي كي لايكونوا متهمين بالتقصير وعدم الاهتمام.
40طالباً في الصف
بينما قال يوسف الإبراهيم طالب في الثانوية العامة :
رغم أني غير مقتنع بالدروس الخصوصية إلا أني مضطر للتعامل معها حيث إن عددنا في الصف (40 ) طالباً وطالبة، و لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نفهم الدروس بالمدرسة فأغلب الوقت يقضيه المعلم بضبط الحركة داخل الصف، إني لا ألوم المعلم ولا الطلاب فواقعنا مفروض ولايوجد حل إلا بالدروس الخصوصية التي نتعاطاها جميعنا دون استثناء بالرغم من العبء المادي واختلاف الإمكانيات لأهالينا، لكن الجميع يطمح بالمعدل المرتفع ليتمكن من دخول الفرع الجامعي الذي يحلم به.
الثقة بالنفس
ليليان ناصر طالبة متفوقة قالت :
بعض الطلاب الذين يحصلون على دروس خاصة بجميع المواد ، يذهبون إلى المدرسة للتسلية وتمضية الوقت ولايهتمون بما يقوله المعلم فالبديل موجود ولاحاجة لهم للمدرسة ، و أكدت أن اتباع دورة تقوية يفي بالغرض بعيداً عن الدروس الخصوصية و مشاكلها إلا إذا كان الطالب مدمناً عليها ولايستطيع الابتعاد عنها كما أن الأساس بالعلم هو الاعتماد على الذات و التركيز على ما يقوله المعلم إضافة إلى تنظيم الوقت بشكل جيد والأهم من كل ذلك ثقته بنفسه وبمعلميه و هذا يكفي للحصول على علامات جيدة .
15 ساعة باليوم
أيمن باشا طالب في الثانوية العامة قال : رغم أنني من المتفوقين وأعتمد على نفسي بشكل كبير بعيداً عن الدروس الخصوصية إلا أنني في هذا العام تحديداً خاصة أنه يحدد مصيري لذلك فقد اعتمدت على الخاص بشكل نسبي، كي أستطيع أن أضمن الحصول على علامات عالية ، أنظم وقتي وأتابع مع مدرستي إضافة إلى بعض الدروس الخصوصية إنني أدرس (15) ساعة كل يوم وسأتابع حتى النهاية ، أتمنى النجاح للجميع .
تنظيم الظاهرة
مدير إحدى الثانويات قال:
من حيث المبدأ لكل فرد فلسفته الخاصة في هذا الموضوع و من وجهة نظري التي أؤمن بها أن الدروس الخصوصية تتناقض مع أخلاقيات العمل التربوي، وتفشي هذه الظاهرة مؤشر لوجود خلل يحتاج إلى إصلاح، ومعالجة هذا الموضوع تنطوي على دراسة واقع المجتمع بصورته الكلية و التطورات التي مرت به على كافة الأصعدة وهذه الظاهرة أصبحت واقعاً شئنا أم أبينا، ومن الصعب التخلص منها ومن المنطقي أن يستخدم المدرس مهما كان اختصاصه معرفته لتحسين وضعه الاقتصادي أسوة بغيره، و هذا حق مشروع شرط ألا يتعارض مع إعطاءه داخل الصف و من حق الطالب تحسين مستواه الدراسي . الأمر يأخذ منحى آخر عند الطالب الفقير غير القادر على التعامل مع الدروس الخاصة هنا يدخل مفهوم العدالة الاجتماعية .
لابد من العمل على تنظيم هذه الظاهرة للتقليل من سلبياتها قدر المستطاع من حيث مراعاة الفروق الفردية وإتقان الدرس بأمانة والتنوع في طرائق التدريس واستخدام تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال وتفعيل دورها في العملية التعليمية .
سوزان حميش