في عالم مغلف بروح العنف المستتر خلف وجوه مقنعة بالبراءة والطيبة ,يسقط كثير من الناس ذوي السرائر النقية الطيبة ,وهكذا تقدم لنا الحياة شريطاً ملوناً بالعنف والثأر والحب والتسامح , ولكن هذه المثل الإنسانية التي تمثل جوهر الحياة ,تبقى عرضة للأهواء والرغبات ,خصوصاً عندما يسكنها الحقد والانتقام ,بعيداً عن الضمير والعقل والحق .
دراما …لم تنضج فنياً …و…
قدم الكاتب إسلام يوسف مسلسله (الصقر شاهين) من ثلاثين حلقة ,يمكن اختصارها للنصف , وكون الدراما أصبحت ,ومنذ زمن بعيد صناعة ,فإن صناع العمل الدرامي (الشركة المنتجة) لا يعنيها سوى الربح وإن كان النص الدرامي لم تكتمل شروطه الفنية والفكرية , وكون الكاتب شاباً, وربما يكون عمله الدرامي الأول ,فقد بدا واضحاً الكثير من الثغرات في بنيته الدرامية ,بدأ من الحوار المسطح بين الشخصيات ,إلى أحداث يغلب عليها سمة الطابع العاطفي الانفعالي غير منطقي ,في أكثر الأحيان .
قصة مكررة بثوب متخلف…
يقدم العمل حكاية تحمل الكثير من السذاجة والبساطة المنفرة ,كونها تمت معالجتها كثيراً في الرواية والدراما والمسرح , ولكن المعالجة الدرامية تفتقر لفضاء من الخيال الخصب الذي يعيد صياغة أحداث برؤيا تحمل من سبر أعماق المجتمع المصري الذي يئن على صفيح ساخن من الأزمات والفقر والبؤس .
حكاية أم ,أدت دورها (الفنانة الراحلة زيزي مصطفى )تهرب مع صغيرها كي تجنبه أن ينال الثأر منه ,لأن والده قد قتل أحدهم من عائلة ذات خصومة مع عائلته , وفي المدينة البحرية الجديدة يثبت حضوره. الابن (شاهين) الذي لعب دوره النجم العربي السوري (الفنان تيم حسن) ,ويتحول شاهين إلى (بطل شعبي) بما يحمله من نبل وشهامة وقوة ضد الظلم واستغلال الصيادين البؤساء ,طبعاً بعد أن يتبناه أحد وجوه المدينة هو (الريس منصور) الذي لعب دوره الفنان الراحل (أحمد راتب) وتحاول الزوجة نوال التي لعبت دورها الفنانة (رانيا فريد شوقي ) إغرائه في كل لقاء منفرد بينهما , وكان يتهرب من الوقوع في حبائلها ,وكان يحب ابنة أخت ليلى التي لعبت دورها الفنانة (شيرين عادل), وفي الطرف الآخر هناك أحد حيتان المدينة يستغل الصيادين أسوأ استغلال, وهو الريس فؤاد ولعب دوره الفنان الكبير (أحمد خليل ) الذي يتحكم بأرزاق ومعيشة أهل المدينة محصناً نفسه بولده الشقي منذر الذي لعب دوره الفنان (أحمد زاهر) مع عصبة من الأشرار ,وبين الخير المطلق ونقيضه يتصاعد الصراع ,تارة بأفعال خسيسة , وتارة بجريمة القتل ,وأثناء اختفاء الريس منصور, تفصح زوجته نوال لشاهين عن حبها وشغفها به , ولكنه يرفض الغدر بالريس منصور الذي رعاه وتبناه ودافع عنه ,وفجأة يعود بتبرير درامي غير مقنع أو منطقي ,لتسر له الزوجة بأن شاهين راودها عن نفسه , ليطرده من عمله كشيخ الصيادين وينزع عنه الحماية, ويتحول شاهين من النبل والشهامة للإجرام وعالم الحيتان الكبيرة . الصقر شاهين عمل درامي يزيف الواقع المصري عبر تسويق شكل من الحكاية المفبركة والمستهلكة بكل مجالات الإبداع من السينما إلى الرواية .
إخراج يكرس الرؤيا القاصرة
قام بإخراج العمل الفنان المخرج عبد العزيز حشاد وهو عمله الدرامي الثالث , بقي المخرج أسير نص درامي نمطي بأفكاره ومعالجته الدرامية ,رتابة مملة من خلال إيقاع سير أحداث العمل , مشاهد مجانية كثيرة بلا أي مبرر سوى إطالة ساعات العرض حتى يصل للحلقة ثلاثين ,موسيقى العمل مستهلكة منذ زمن بعيد عبر أعمال تشابه تسطح هذا العمل .
أداء متنوع …
ما يجزّ بالنفس أن تكون البطولة المطلقة للنجم العربي السوري الفنان تيم حسن ,بأن يشارك بعمل يحمل هذه السوية المتخلفة والفقيرة فنياً ودرامياً وفكرياً ,ربما من حقه ان يتابع رحلة انتشاره بالوطن العربي ,ورغم هذا حاول الفنان تيم حسن كعادته أن يجسد شخصية الصقر شاهين بكل ما يمتلك من حرفية عالية , الفنانة الراحلة زيزي مصطفى قدمت حضوراً شفافاً رغم صغر مساحة الدور المسند لها , الفنان الراحل أحمد راتب يترك أثراً بصدق أدائه , والفنان الكبير أحمد خليل كعادته حاول أن يترك أثراً , الفنانة رانية فريد شوقي نوعت بأدائها , الفنانة شيرين عادل عفوية جميلة بحضورها ,الفنان أحمد زاهر حاول أن يخرج من نمطية أدائه.
كلمة الختام
ما أستغربه هو أنه من حق صناع الدراما أن يحققوا أرباحاً,كي تتطور الصناعة الدرامية نحو الرقي والسمو ,ولكن أن تتبنى نصوصاً تقارب ,ولو قليلاً،هموم المواطن العربي, وألا نبقى أسيري حكايات وأصبحت من مخلفات الماضي, ومن حقنا عليهم أن يحترموا الذائقة الفنية للمتلقي المعني بالرسالة الفنية.
محمد أحمد خوجة