أفرزت الظروف التي مرت بسوريا خلال السنوات الماضية الكثير من الظواهر السلبية، التي لا تزال تلقي بظلالها القاتمة على المجتمع السوري، ما انعكس بشكل هو أقرب ما يكون إلى مأساة تهدد مستقبل أطفالنا ومصائرهم.
ومن أهم هذه الظواهر وأكثرها تأثيراً في المجتمع ظاهرة تسرب الأطفال من المدرسة فهي من القضايا الاجتماعية والتربوية الخطيرة، لما لها من تأثير على مختلف الأصعدة الآنية والمستقبلية للأجيال القادمة، والتي أصبحت ظاهرة تتفشى في طبقات المجتمع, مخلفة العديد من الهموم والمشكلات، خصوصاً في ظرفنا الحالي وما نتعرض له من هجمة إرهابية وإجرامية لم تستثني الأطفال أو النساء، المتمثلة في استغلال الأطفال . فالمنظمات الإرهابية جندتهم ليكونوا خلايا إرهابية في المستقبل .
والبعض الآخر من الأطفال بدأ بالتسول قرب إشارات المرور والتقاطعات, وانجرافهم مع أصدقاء السوء.
أينما أزحت نظرك في محافظة حماة ومناطقها ستجد عدداً كبيراً من الفتيان والفتيات صغار السن، وهم يمارسون التسول بأساليب مختلفة، كمسح زجاج السيارات أو بيع بعض المواد أو حتى الطلب بشكل مباشر للمال أو غيرها من هذه الأعمال.
أعيل أسرتي
إحدى الفتيات التي طلبت مني المال في سوق مصياف سألتها إن كانت في المدرسة لتجيب أنها تركت المدرسة في المرحلة الاعدادية منذ ثلاث سنوات عندما توفي والدها وتركَهم بلا معيل وتكمل :
قمت بإعالة أسرتي وتكفلت بمعيشتهم أنا وأخي الذي يصغرني بعام.
طفلة أخرى في العاشرة من عمرها تجلس إلى جانب والدتها وهي تحمل طفلاً صغيراً , وقفت الطفلة الصغيرة لتأخذ مني النقود فسألتها فيما إذا كانت تذهب إلى المدرسة أم لا..!؟
قالت: لم أذهب إلى المدرسة بحياتي, لأنني نشأت في أسرة لا تعرف ما هو التعليم.. فقط اعرف التسول مع أمي وعندما قلت لها هل ترغبين بدخول المدرسة؟ فردّت.. كانت أمنيتي أن أدخل المدرسة وأتعلم.
شكت لي جارتي ابنها الذي بدأ بالتذمر والبكاء والصراخ ما إن تلبسه ثياب المدرسة والسبب كما فهمت منها أن ابنها يتعرض للتنمر من معلمته ورفاقه وقالت : هذه المرحلة من العمر يحتاج الأطفال فيها إلى مراعاة خاصة من قبل المعلّمات, وقصة ابني الذي لا يرغب بالذهاب الى المدرسة لأن المعلمة وبخته وأخجلته أمام رفاقه حين قام بتناول بعض الطعام أثناء الدرس ولم تحسن المعلّمة التعامل معه لتتفادى هذه الظاهرة التي من الطبيعي أن يقوم بها الأطفال الصغار الجدد عند دخولهم المدرسة، بل قامت بالصياح عليه بطريقة مرعبة ومخيفة جعلته يرفض الذهاب إلى المدرسة .
مها الطالبة الصغيرة التي تكره الذهاب إلى المدرسة لعدم وجود من يهتم بها بعد وفاة والدتها ويومياً تتشاجر مع جدتها من أجل المدرسة.
ظاهرة خطرة لايمكن السكوت عنها وقد تنامت وفي ظل الظروف الصعبة التي نمر بها بعد أن كانت سورية من أوائل الدول التي احتفلت بالقضاء على الأمية ، وجل ما نخشاه اليوم أن يظهر جيل جديد أمي يحتاج لسنوات طوال ليتخلص منها ، معالجة الأسباب ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه يجب أن تبدأ فهؤلاء هم الأمل في بناء وإعادة إعمار البلد.
ازدهار صقور
المزيد...