تحقيق : الــزواج والأبــراج وفـش الخلــق دون رقيــب .. فهــل مـــن وضـــع ضـــوابـــط مــــاديـــة وعــلميـــــــة .. ؟ !
يبدو أن طبيعة العصر الذي نعيشه وبما يفرزه من عادات اجتماعية وثقافية وانقراض الأسرة الممتدة ــ في المدن خاصة ــ والعيش في شقق سكنية مغلقة لا يعرف فيها الجار جاره ، والاسترخاء الطويل أمام التلفاز لمتابعة الفضائيات كل ذلك جعلت نسبة كبيرة من الناس تبحث عمن يستمع إلى همومهم وآمالهم وهواجسهم وأمنياتهم ، وربما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الأمراض النفسية .
ــ وفي هذا المجال يقول الدكتور ماجد حسين الاختصاصي بعلم النفس
… إذا كان العالم المتقدم قد اهتم بهذا الجانب وخصص الخطوط الساخنة للدردشة وحل المشكلات .. ووفر العيادات النفسية التي يزورها الأصحاء قبل المرضى للتأكد من وضعهم النفسي والحصول على جرعات ــ مساعدة ــ تعزز الشعور بالأمان … فإن في مجتمعاتنا من لايزال يحجم عن مراجعة العيادات النفسية حتى وإن كان وضعه النفسي يحتاج إلى ذلك ، وتحاط تلك الزيارات للطبيب النفسي ــ إن نفذت ــ بحالة من السرية والكتمان في الوقت الذي يجب أن نراجع الطبيب النفسي كما نراجع طبيب الصحة العامة وبشكل وقائي فما بالك إذا كنا نعاني من القلق والاضطراب والخوف والاكتئاب بدرجات متفاوتة وفي ظل غياب هذه المرافق الحيوية والجهات المعنية بالوضع النفسي فإن المرضى لايجدون أمامهم سوى أطباء الأمراض العصبية في حالة المرض الشديد .
بينما يفتش الآخرون مع ذويهم عن المشعوذين والسحرة وهنا المشكلة الاجتماعية الخطيرة … وتماشياً مع تطور العصر فقد نصب الكثير من المشعوذين شباكهم مستغلين التطور الكبير في مجال الاتصالات والمحطات الفضائية والصحف الإعلانية … وبدأنا نطالع الإعلانات التي تدعو الناس ( للدردشة ) وفش الخلق ومعرفة الطالع وفك المربوط وإعادة الغائب وتقريب وجهات النظر بين المحبين والسمسرة في مجالات الخطوبة والزواج عبر خطوط هاتفية معلنة.
وبالتالي يمكن القول إن حاجة المواطن إلى الدردشة وفش الخلق وحل المشكلات النفسية البسيطة تستغل من قبل البعض ، وربما تستغل أوضاع المراهقين والمراهقات وتختلط مهام بائعات الحظ مع مهام بائعات الهوى وتتفاقم العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية إذا تركنا الحبل على الغارب .
ويتابع الدكتور ماجد حديثه قائلاً: وعلى اعتبار أن لدينا العديد من الجهات القادرة على لعب دور إيجابي ووضع ضوابط لهذا الفلتان في مجال الإرشاد النفسي والاجتماعي وحتى الفلكي مثل الاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة ونقابة الأطباء ونقابة المحامين ونقابة المعلمين واتحاد الصحفيين وغيرهم فلابد من أن تعقد مجموعة من ورش العمل لمناقشة كل ظاهرة من تلك الظواهر الاجتماعية الخطيرة ووضعها تحت الإشراف العملي والتخصص الممنهج ، نعم لقد أصبحت الدردشة وفش الخلق والمشاورة في المعاناة النفسية ضرورة انسانية … مع الجزم بأننا قادرون على لجم المخالفين والمشعوذين ووضع ضوابط مادية وعلمية لهم .
مع الأخذ بعين الاعتبار أن استمرارية ظاهرة اجتماعية خطيرة ما هي إلا نتيجة للإهمال أو التقاعس في معالجتها … وهذه الظواهر المنتشرة في مجتمعاتنا تدفع الكثير من الناس لمراجعة المشعوذين والدجالين .
وهنا يطرح السؤال نفسه : لماذا يراجع الناس المشعوذين والدجالين .
يجيب الدكتور ماجد الحسين على هذا السؤال بالقول :
مما تقدم يتبين : ان عوامل عدة تشترك في دفع الإنسان نحو التعامل مع المشعوذين واللجوء إليهم لحل مشاكله ، من أهم هذه العوامل ، البيئة التي نشأ فيها الإنسان والظروف المحيطة به .
فمن ينشأ في بيئة ريفية وشعبية يكبر مع قصص العفاريت والجن تحكيها له الجدة والأم كل ليلة.
أيضاً يمتد تأثير البيئة المحيطة إلى التربية والسلوك الذي يميز الذكر والأنثى فالمرأة تحاصرها المخاوف منذ ولادتها وحتى مماتها … فهي تخشى العنوسة ويرعبها شبح الطلاق … وذهابها إلى المشعوذ أو الدجال يمنع شبح هذه المخاوف عنها ويبعد حدوثها هكذا تعتقد هي وغيرها .
إذاً … الحل يكون في التوعية المدروسة المستمرة ومعالجة المعاناة والهموم والمشاكل النفسية .. في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الفرد الواعي رجلاً وامرأة من أجل أسرة سليمة ومجتمع سليم وقوي
توفيق زعزوع