أول شاعر عربي يحطم وحدة البيت الشعري وأوزانه ولد «علي الناصر» في مدينة «حماة» عام 1894، وتلقى تعليمه في أحد كتاتيبها على عادة أبناء جيله . دخل المدرسة الإعدادية في مدينته وأتم دراسته الثانوية في «دمشق» ومنها سافر إلى «استانبول» لدراسة الطب، فاختص في طب الأمراض الجلدية والزهرية وتخرج طبيباً عسكرياً عام 1917 برتبة نقيب، وكانت مدينة «حلب» مستقرة إذ افتتح عيادته هناك وبعد ذلك تزوج من فتاة ذات أصول تركية وأنجب منها ولده «وائل» وابنته «تيماء». توفي عام 1970 إذ عثر عليه مقتولاً في عيادته غيلةَ برصاصة مزقت صدره ورئته ، ولم يكشف التحقيق أسباب الجريمة، وقُيّدت الحادثة ضد مجهول .
كان يجيد أربع لغات وهي: العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية، ثم أضاف إليها لغة خامسة وهو في سن متأخرة وهي اللغة الفارسية، وذلك من محبته للشاعر الفارسي الكبير «حافظ الشيرازي» حتى يتمكن من قراءة أشعاره بلغتها الأصلية.
عاش هذا الشاعر حياةً مضطربةً وقلقة ومتمردة، انعكست على نصوصه وكان من رواد الحداثة الشعرية العربية. لكن قوائم النقاد تجاهلت ريادته. فحين أصدر ديوانه الأول قصة حب (1928)، كان أول شاعر عربي يحطّم وحدة البيت الشعري وأوزانه. وعزّز هذا الاتجاه في ديوانه الثاني ظمأ (1931)، هذا الديوان الذي يعدّ اليوم في طليعة التجارب الحداثية العربية. إذ وجد في الوزن والقافية قيوداً للقريحة وما الشعر لديه إلا تفجّرات عفوية تصدر عن الذهن والنفس في حال من الوعي أو اللاوعي بحسب ما يشير عمر الدقاق في كتابه فنون الأدب المعاصر في سورية
ولعل الانعطافة الحقيقية في شعره، جاءت مع إصداره البلدة المسحورة (1935)، وموانا (1935) وسريال (1947). ففي هذه التجارب اقتحم الشاعر مناطق بكراً في حساسية جديدة ومتمردة ونقلة في تطور قصيدة النثر، من الحقبة الجبرانية الرومانسية إلى الأفق الملحمي.
في كتاب علي الناصر: الأعمال الكاملة (وزارة الثقافة ــ دمشق) الذي قام بتحريره رضوان القضماني، فرصةٌ لاستعادة تجربة مجهولة لشاعر أهمله النقد طويلاً رغم ريادته الشعرية التي سبقت ريادة نازك الملائكة والسيّاب. وهو ما يشير إليه أمين الريحاني في مقدمته لديوان ظمأ إنّ في كتابك هذا عبقرية مبدعة لكنها لا تزال تتعثّر في مدارج الفن وفي ديوانه سريال الذي كتبه بالاشتراك مع أورخان ميسر محاولة مبكرة لمقارعة الشعر السريالي وتأصيله عربياً بعيداً من تجارب السرياليين الأوروبيين. يقول علي الناصر في أحد مقاطع قصيدته قدمي تمشي، تمشي لا أثر لها، تنتعل اللهب، تسرع وتسرع، لا سبيل للإبطاء. سراب في متناول اليد أبعد من البعيد، قدم تسرع ملتهبة، ذرة من رماد
رحل علي الناصر تاركاً عدداً من دواوينه المطبوعة منها : «قصة حب» 1928، «الظمأ» 1931،» البلدة المسحورة « 1935 « موانا « 1935 «السريال» 1947، «اثنان في واحد» 1968، «هذا أنا» 1961، وله نماذج شعرية مخطوطة منها: «قصة أيام» ، «قصة الكون الثاني»، «الأغوار»، «الجديد». إضافة إلى عدد من المؤلفات في القصة والمقالة والترجمة منها: «البلدة المسحورة» (قصة) 1935، «دن الدموع» (قصة) 1954.
إعداد : محمد عزوز