في هذا اليوم 18/12 يصادف ذكرى اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الأمم المتحدة اللغة العربية لغة رسمية من اللغات المنطوق بها في المحافل الدولية، وذلك في 18/12/1983.
وفي هذه الذكرى نرفع القبعة عالياً لكل غيور على لغتنا الجميلة، يعتز بها، ويدافع عنها أمام هجمات المغرضين المشككين بقدرتها العظيمة، وثرائها الذي لا يُحدّ في التعبير عن علوم العصر، ويحرص على إتقان علومها المختلفة.. وفي الوقت ذاته يشعر المرء بألم شديد من أولئك (المتفرنجين) الذين يرطنون بعض كلماتهم باللغة الأجنبية، أو يسمون بعض محالهم التجارية بأسماء أجنبية لا تمت إلى واقعنا بأية صلة، أو يكتبون على بعض منتجاتنا المحلية بكلمات أجنبية.. وهذا كله أثر من آثار الغزو الثقافي الذي جعل هؤلاء يعتزون بلغة الأجنبي، ويشعرون بالضعف أمامه، وهو دليل على خوائهم الفكري والثقافي الذي جعلهم يسلكون هذا السلوك.
ولست ضد من يتعلمون لغة أجنبية، أو يدخلون دورات لتعلمها، فاللغات الأجنبية ضرورة لفهم علوم العصر، والإفادة من نهضة الغرب العلمية، ولكنني ضد من يهمل لغتنا العربية الجميلة، فنراه ضعيفاً لا يتقن استعمالها، لأنه لم يعطها الاهتمام الكافي اللائق بها، فإذا هي تذوق الأمرّين على أيدي أبنائها… وهذا يدركه من يقوم بتدريس اللغة العربية، فيلمس الضعف الشديد عند الناشئة، وطلاب الجامعات، وحتى ـ وبكل أسف ـ عند كثير من خريجي أقسام اللغة العربية.. وسوف أسوق بعض الأمثلة الحية من واقع لغتنا عند طلاب الجامعة، وبعض مدرسي العربية…
ومن ذلك ماأوردتُه من إعراب بعض الكلمات في أسئلة الامتحان ككلمة (والديه) في جملة (يحب والديه) فأعربها أحد الطلاب (الواو حرف عطف (الديه) اسم معطوف) ومرة أخرى طلبت إعراب كلمة (لحمي) في قول الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وَفَّرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
فأعربها أحد الطلاب (اللام حرف جر (حمي) اسم مجرور).
فهل يعقل أن يصل الضعف بطلاب الجامعة إلى هذا الحد المزري الذي يحتاج إلى حل سريع قبل أن يستفحل الداء ويستعصي على الشفاء؟!.
وكم وجدت الكثيرين لا يجيدون رسم التاء في نهاية الكلمة، فيكتبون التاء المربوطة، مبسوطة، أو العكس، وكذلك الألف اللينة فيخلطون ما بين الألف الممدودة والمقصورة.. كما لا يميز بعضهم بين المبني والمعرب، والأفعال الخمسة والأسماء الخمسة، ولايجيد استخدام علامات الإعراب الفرعية في الأسماء والأفعال.. و..و… وأما أخطاء كتّاب وسائل التواصل فحدِّث عنها ولا حرج، وهي عصية على التعداد والحصر.
والأدهى من ذلك والأمرّ أن يصل الضعف الشديد إلى خريجي أقسام اللغة العربية، وكم قرأت عند أولادي خطأً في إعراب بعض الكلمات من قبل مدرس اللغة العربية، أو شرحاً غريباً لبعض المفردات يدل على جهل وضعف شديدين، ومن ذلك ما طلبه مني ولدي في الصف الخامس من مساعدة في موضوع التعبير وهو (حوار بين شجرة التين وأترابها) فقلت له اكتب: قالت شجرة التين لشجرة الجوز… فقاطعني وقال لي: ماهكذا قالت لنا الآنسة، فقلت: ماذا قالت؟ فقال: قالت: الحوار بين شجرة التين والتراب.
لقد دُهشتُ حقاً بضعف تلك المعلمة، وعدم فتح المعجم على كلمة تجهلها، ثم سألت موجه اللغة العربية عنها قائلاً له: هل هذه المعلمة معلمة صف أم مجازة في اللغة العربية؟ فقال لي: هي مجازة في اللغة العربية.. فدهشت أكثر حين سمعت جواب موجه اللغة العربية، وقلت في نفسي: لو كان شاعر النيل حافظ ابراهيم حياً، لنعى لغتنا الجميلة ألف مرة، بعد كتابته قصيدته الشهيرة، في ثلاثينات القرن الماضي، وعنوانها (اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها).
د. موفق السراج