الطــب البديــل ظاهرة تتنامى في مجتمعنا المــريـــض غـــريـــق يتعــلق بقشـــة

يتهم البعض الطب البديل بأن لا هوية واضحة له، ويرى آخرون أن الطب البديل أثبت نفسه ماضياً وحاضراً وسيبقى مستقبلاً يعالج الكثير من الحالات التي يعجز عنها الطب الأكاديمي ،ويرى طرف ثالث أن هناك قصوراً بين كلا الرأيين الأولَيْن. المسألة ليست صراعاً بين من هو مع الطب البديل ومن هو ضده لأن الأول هو اختصاص قائم بذاته يدرّس في كبرى الجامعات العالمية ويختص فيه الكثيرون ولكن ما يبحث فيه هو إقبال البعض على الدخول ضمن مضمار المداواة من باب العلاج الطبي القائم على الجس واللمس ودون إعطاء أية أدوية تكون لها منعكساتها السلبية، ولدينا يوجد عدد لا بأس به ممن شعر البعض بأنهم قدموا لهم الشفاء الذي عجز عنه الطب التقليدي، كأن بهؤلاء الذين تدربوا على المداواة اليدوية التقليدية المجردة عرفوا مكمن الداء دون أن يعرفوا تقديم تفسير علمي للحالة وكيف يعالجونها.. المهم في النهاية حسب رأيهم ورأي المرضى هو الوصول للنتيجة التي ينشدها الجميع وهو الشفاء وكأني بهؤلاء الذين يعمدون لأساليب المداواة بالجس واللمس كمن يعزف مقطوعة موسيقية بطريقة سماعية، إنه لايعرف الدو والري والمي ولكنه يستطيع أن يعطيك مقطوعة موسيقية متناغمة.‏ 
 بالمقابل يقر الكثير من الأطباء الأكاديميين أن بعض الحالات المستعصية التي وقف حيالها الطب التقليدي عاجزاً أوجدت لها أو بعضٍ منها ضالتها في أنواع أخرى من فنون العلاج اللاتقليدي.‏. ففي الآونة الأخيرة أصبحت مراكز العلاج غير التقليدي تبنى على مساحات من المشافي والصروح الطبية التقليدية، بل إن الأطباء الأكاديميين أنفسهم بدؤوا يرسلون مرضاهم إلى زملائهم من الأطباء اللاتقليديين.‏ 
وحول قانونية هذا من عدمه يكفي أن تقوم الجهات المختصة بدراسة أكاديمية لمثل هذه الحالات المستعصية التي تم شفاؤها وبالنتيجة الوصول إلى التأكيد أو النفي ولا يبرر تأخرنا وعجزنا أنه ليس لدينا اختصاصيون فالوسائل عديدة وكثيرة لو بحثت الأمور بجدية.‏
 علينا أن نعي بأن أطباء العالم أجروا العديد من التجارب لشفاء هذا المرض ولم يفلحوا، فكيف سيفلح العطار؟.. من الضروري سن القوانين التي تعاقب الذين يتسببون في موت مرضاهم عن طريق هذه الأساليب، كما يجب أن يكون ذلك مذكوراً في القانون فلا يجب أن ننتظر حتى يموت المريض حتى يعاقب الجاني بالقانون»، لا يمكن الاعتراف بالطب البديل دون ضوابط»، وإذا اعترفنا به وتركنا الأمر عشوائياً لمواطن لا يعرف أن يميز بين الصح والخطأ بهذا الطب فالنتائج تكون كارثية». 
وهنا تقع المسؤولية على اللجان المختصة التابعة لوزارة الصحة في متابعة ومراقبة هكذا مراكز لحماية المستهلك المتألم! وأيضاً هنا نقرع ناقوس الخطر متوجهين إلى جميع مرتادي هذه المراكز وإلى من يقتاتون أوهاماً جميلة ويصنعون علاقة أمل مع الانتظار بدلاً من اليأس… لأخذ الحيطة من تناول هذه العقاقير غير الخاضعة للتحليل والرقابة الصحية..!؟
الغريق يتعلق بقشة
أحد الأصدقاء بعد عدة سنوات من التردد على الأطباء لعلاج حالة العقم الذي تعانيه زوجته نصحه البعض بالذهاب إلى شخص في إحدى قرى محافظة طرطوس مؤكدين أن أحداً لم يقصده إلا ونال مراده.. وبالفعل وبعد لوعة دامت سنوات أراد أن يطرق هذا الباب بالرغم من عدم قناعته.. ومن الجلسة الأولى أكد الطبيب البديل أن حالة الزوجة بسيطة وخلال عام إن التزمت بتعليماته ستحمل مولودها المأمول.. الجلسة امتدت إلى عشرات الجلسات دفع خلالها الزوج مبالغ كبيرة باعتبار الخلطات التي تنالها زوجته مركبة من أعشاب نادرة وبعضها من قاع البحر.. استمر الأمر فترة طويلة ،توفي الطبيب البديل ولم تحمل الزوجة.. لكن ما إن استفاق الزوج من صدمة ما وقع به من نصب حتى أشار إليه البعض نحو أحد المراكز في العاصمة مبيناً أنها تعالج بطرق غير تقليدية ونتائجها أيضاً مضمونة.. وبالفعل وعلى مبدأ الغريق يتعلق بقشة قصد الزوج المركز وتكرر المشهد ذاته الذي وقع به مع المعالج السابق ولكن بطرق أكثر رقياً، وفي النهاية يحرجونك بقولهم بذلنا ما في وسعنا.. أردنا أن نخدمك، لكن لا اعتراض على أحكام الله. 
الدجل الطبي
 سمعنا الكثير عن أشخاص يدعون امتلاكهم بلسماً أو إكسير الحياة، وأنهم جاهزون لأية حالة.. وما أدرانا فقد يتجرؤون يوماً ويقولون إنهم يعيدون الروح.. مئات الدهاليز والأقبية التي تحتضن مهنة الطب الشعبي.. وشوشات من هنا واتصالات من هناك وتجد آلافاً تقصد هذه الدهاليز وتلك الأقبية في محاولة قد تكون الأولى أو الأخيرة لعلاج حالة مستفحلة غالباً ما يكون الطب التقليدي استسلم تجاهها.. كما قلنا «الغريق يتعلق بقشة» والقشة هنا أقبية أو شبه عيادات أو مراكز اختلطت تسمياتها بين الطب الشعبي والطب البديل في حين يُطلق الطبُّ التقليدي عليه بالطب المتمم.. والسؤال ماذا يحدث في هذه الأقبية أو تلك المراكز أو العيادات التي لا تمتلك أية تراخيص لمزاولة نشاطها.. وهل يوجد فرق بين الطب البديل والطب المكمل أم هما وجهان لعملة واحدة؟ وهل الطب البديل والطب المكمل آمنان في الاستخدام، وأين الطب البديل من الطب العربي ؟. 
مئات الحالات الأخرى نسمع عنها عبر تماسنا المباشر مع أشخاصها أو عبر الأحاديث المتناقلة، والغريب أن هذه الأعداد تتضاعف يوماً بعد آخر بالرغم من عدم قناعة الكثيرين منهم بما يفعلونه ولكن وكما قلنا ما يحدث هو على مبدأ الغريق يتعلق بقشة.
إذاً، رغم تطور الطب الحديث في شتى المجالات وسعي العلماء والباحثين لاكتشاف علاجات لمختلف أنواع الأمراض، ورغم التقدم العلمي الهائل في العالم، وخاصة على صعيد المعالجة الطبية، فإننا نشهد ظاهرة مستشرية وهي ظاهرة الدجل الطبي الذي يعتمد على اجتهادات شخصية أحياناً واحتيال أحياناً أخرى إضافة إلى مزيج من الخرافات القديمة والمبتدعة لتجد طريقها بنجاح إلى كثير من المرضى تحت يافطة « الطب البديل «.. وبالطبع يصعب الآن على متابعي ما يحدث حولنا إغفال واقعة أن ما يسمونه «الطب البديل» عاد إلى الرواج. وخصوصاً مع ارتفاع تكاليف العلاج وأجور المعاينات والعمليات الجراحية وأسعار الأدوية.
ضربة حظ
لايمكن أن يكون الطب البديل بديلاً للطب التقليدي ,لاسيما أنه من وجهة نظر الطب البديل لا يوجد مرض بل إنسان مريض، لكن وبشهادة الكثيرين أن أساليبه غير مجدية، في غالبيتها، إلا من كان حظه جيداً ونال الشفاء من جراء ذلك من قبيل المصادفة.. وهنا نجد من يقول إنه لو اقتصرت الخسارة على الناحية المادية، فهي أمر ربما يُقبل بشكل أو بآخر، ولكن ماذا لو كانت الخسارة صحية، وهنا نجد بعض المدافعين عن الطب البديل يؤكدون دائماً إلى ضرورة إدراك أن الدجل الطبي هو أن تعطي المريض خلطة وتعرف أنها لا تفيد، أما الطب البديل هو اللجوء إلى طرق تفتقر إلى الإثبات العلمي».. ويشير هؤلاء إلى أن الطب البديل يقوم على العلاج بوسائل طبيعية تناهز الستين تقنية من بينها الوخز بالإبر والتنويم المغناطيسي والأعشاب والماكروبيوتيك واليوجا والصوم والعلاج بالألوان وغيرها من التقنيات الموروثة والمستحدثة.. ويمكن القول إن الآثار الجانبية للأدوية الحديثة هي من أسباب العودة القوية لهذه التقنيات القديمة التي لا يحمل معظمها علاجاً متكاملاً لكل الأمراض، وقد استعان الطب الحديث ببعضها كتكملة لبعض العلاجات. 
ويجب التمييز بين الشعوذة والدجل الطبي وبين الطب البديل الذي يمارس في كل دول العالم.. وتنتشر لدينا مراكز عديدة، يدّعي المشرفون عليها قدرتهم على شفاء المرضى من جميع الأمراض، من خلال ممارسة الشعوذة « و» الدجل الطبي «.. ويرتاد هذه المراكز الكثير من المرضى وقد تتراوح أجرة المشرف على المعالجة مقابل الجلسة الواحدة ما يفوق طاقة المريض بكثير.. كما هناك بعض الأطباء يفحصون المرضى بأجر زهيد، ثم يرسلونهم إلى بائعي الأعشاب الذين يشكلون حلفاً معهم، ويشتركان معاً في ابتزاز هذا المريض، ليصل ثمن الأعشاب التي يطلبها منهم إلى مبالغ كبيرة جداً.
لهذه الأسباب
هناك مثل صيني يقول: إذا مرضت فاذهب إلى الطبيب وادفع له أجره لأنه يجب أن يعيش، وخذ الدواء الذي يكتبه لك واصرفه عند الصيدلي لأنه هو أيضاً يجب أن يعيش، لكن عندما تعود إلى منزلك ارم بأدويتك في المهملات لأنك أنت أيضاً يجب أن تعيش.. يا ترى هل مضمون هذا المثل هو أحد أسباب اللجوء إلى التداوي بالأعشاب، نتيجة ما تُلحقه بعض الأدوية من أضرار بمتناوليها باعتبار الكثير من الدواء سلاح ذو حدين، ويكفي أن نقرأ النشرات المرفقة مع كل عبوة دوائية لمعرفة المضاعفات والتأثيرات الجانبية لها، كي ندرك أهمية الضرر الآخذ في الازدياد، والسبب كثرة الأدوية الموجودة بين أيدينا، والمشكلة أن الضرر لا يقتصر على حدوث أعراض جانبية بسيطة، كالتحسس والغثيان، بل قد تصل أضراره في بعض الحالات إلى أبعد من ذلك، وعندها يصبح من الضروري إدخال المريض إلى المستشفى نظراً لخطورة المضاعفات التي قد تكون مميتة أحياناً.
فيصل المحمد

المزيد...
آخر الأخبار