صرّافتانِ
وكُوّةٌ للذكرياتِ
وتشتري منها الصُّروفا
حوِّلْ نقودَ البؤسِ إنّكَ راحلٌ
أوراقُ حزنِكَ بخسةٌ
إذْ لا تساوي فرحةً
ضعْ في الحقيبةِ ضحكةً
خبّئ بها صورًا تعيدُكَ ليلةً
طفلاً يشاكسُ قطةً في الدارِ
ينثرُ حُمقَهُ بسخافةٍ
ما أسعدَ الطفلَ السخيفا!
وعلى الحُدودِ اجْعَلْ سُكُوتَكَ
زَورقًا في بَحرِ غيظِكِ
كي تَكونَ بعينِ مَن وَدّعتَ
أو بِعيونِ من تَلقى شَريفا
( 2 )
لا تبكِ
دمعُ الراحلينَ خطيئةٌ
تحتاجُها في الغربةِ الحمقاءِ
تعجنُها بطينِ الذكرياتِ
لتبنيَ الأوهامَ ذاتَ تشوّقٍ
قصرًا منيفا
واعبرْ جسورَ الظنِّ نحوَ الغيبِ لا ..
لا تلتفتْ
ماضيكَ خوفٌ والشجاعةُ كذبةٌ
فاهربْ بحلمِكَ
إنَّهُمْ يتآمرونَ على الرؤى
يتعقبونَ ملامحَ الغافينَ كي يتناهشوا
الحلمَ الضعيفا
( 3 )
لا تنتظرْ
إنَّ الصباحَ غدا كفيفا
هُوَ لنْ يراكَ لأنَّهُمْ
فقؤوا عيونَ الفجرِ كي تلقاهُ
إنْ ناظرتَهُ وحشًا مخيفا
لملمْ سنينَكَ والثواني واحترفْ
تنظيفَ آثارِ الأناملِ وابتكرْ
موتًا نظيفا
هُمْ … لا تسلني من هُمُ
قسمًا بظلِّ الياسمينِ
وقامةِ النخلِ الحزينِ
وماءِ دجلةَ والفراتِ
وكلِّ ثكلى عاقرتْ خمرَ الأنينْ
أنا لستُ أعرفهم
ولكنْ قال لي نيسانُ: إنَّ بِوِسعِهِمْ
أنْ يجعلوا منّي خريفا.
( 4 )
سِرْ نحوَ منفاكَ الجميلِ مردّدًا:
أنا لا أريدُ الموتَ، إذ ماتَ الوطنْ.
كلّ الشّوارعِ والمدائنِ
والزهورِ وكلُّ أصحابِ الطفولةِ
أتقنوا دورَ الكفنْ
إنّ الجراحَ عميقةٌ
ما من يدٍ قد أوقفتْ فينا النزيفا
واقرأ هنا « والتينِ والزيتونِ «
واعلمْ أنّ ربَّكَ قد حَبَا الإنسانَ أحسنَ هيئةٍ
لكنّ عُهرَ فؤادِهِ يغتالُهُ
فارحلْ لعلّكَ تلتقي قلبًا عفيفا
( 5 )
يتقيّأ التاريخُ في أفكارِنا
ونعتّقُ الأحقادَ خمرًا
كلّما زمنٌ صحا
قمنا بفتحِ زجاجتينْ
لتديرَنا الأقداحُ بينَ الرشفتينْ
مقهىً وطاولةٌ عليها ساقيانِ
وفتنةٌ بخطيئتينْ
لَغَطٌ وتَرْتَبِكُ المَعاني
إذْ يَضيعُ مَعَ الصّراخِ هنا هديلُ حَمَامَتينْ
وعلى الجِدارِ، السّاعَةُ الحُبلى يقينًا
مَجَّها في الشَّكِّ سَيْرُ العَقرَبينْ
صُوَرٌ وشاشاتٌ
وأفئدةٌ تُرَتِّقُ جرحَها
في الوَقتِ بينَ النَّشْرَتينْ
فاصمتْ وغادِرْ حانَةَ التاريخِ
كيْ تَشتاقَ عَوْدًا
مِثلما أغمادُنا اشتاقَتْ سُيوفا
( 6 )
شوقٌ
وتمضغُكَ الليالي فاصطبرْ
إنَّ الرّحيلَ فضيلةٌ
ستعودُ يومًا إنّما بقصيدةٍ
أبياتُها من شوقِها ذَرَفَتْ حُروفا
واعلمْ بأنكَ كنتَ في وطنٍ
على شرفاتَهِ صلى جميعُ الأنبياءْ
وبأنّهُ البابُ الوحيدُ إلى السّماءْ
قفْ…
فوقَ ناصيةِ الحنينِ
وألقِ شعراً … وانتبهْ ..
الشّعرُ لا يُلقى بحضرةِ أهلِهِ
الا وُقوفا
أنس الحجّار