العربية.. مختارات من أسرارها وأخبارها

تحت هذا العنوان يقدم الشاعر بيان الصفدي هذا المقتطف من كتابه الذي حمل العنوان المذكور: «لا بد من التمييز بين النظر إلى لغتنا وفق الجمود اللغوي للتقليديين من النحاة وبين قوانين تطورها الداخلية، وهي التي ظلت تعمل بعيداً عن القهر اللغوي على يد المبدعين من جميع الفئات.
ولتبسيط الفكرة التي أطرحها أقول إن نظام اللغة العربية حي، وقد ظلت اللغة تتطور من غير أن يتغير نظامها، بل سار على الدوام نحو الغنى، واقتربت اللغة أكثر فأكثر لتستوعب التحضـُّـر المتزايد في حياة العرب… لهذا فاللغة العربية في الجاهلية غيرها في بداية الإسلام أو في العصر العباسي أو في العصور التي تلت، إلا أن نظامها ظل نفسه.
والخوف على العربية لا ينبع من منعها من الانفتاح على الأساليب والتطورات، بل من الجمود الذي يريد أن يخلق بعبعاً لغوياً يخشاه حتى ذوو الاختصاص، فهناك من يعرفون العربية على طريقة الأخطاء الشائعة و»قل ولا تقل» وكأن حياة المفردة محصورة بين دفَّتَي معجم أو كتاب، وكأن الأساليب قد انحصرت في الماضي، فرفعت الأقلام وجفت الصحف!!.»
«وبعيداً عن كل الاختلافات التي تثار في هذا الشأن، علينا أن نؤمن أن اللغة تحكمها قوانين التطور التي تطال كل الظواهر البشرية، وعندها تسقط بشكل طبيعي تلك الآراء القاصرة، ابتداء من أن اللغة ولدت كاملة، وليس انتهاء بإغلاق باب التجديد، من خلال حصر الاحتجاج بفترة زمنية محددة، لا تزيد على القرن الثاني في الحواضر، والقرن الرابع في بعض البوادي.
لقد أصاب العربية بعض الضيق والقصور بسبب المبالغة في البحث عن النقاء الخالص فيها، وليس من لغة نقية في العالم كله، فراحوا يبالغون في التأكيد على النقاء البدوي فيما اختاروه من نظام اللغة ومفرداتها.»
«إن الصورة السليمة التي نطلبها الآن من اللغوي هي أن يحسن التفسير للظاهرة اللغوية، وأن يضعها في سياقها التاريخي، وأن يستطيع أن يفهم بشكل حي واقع اللغة العربية الحالية، وألا يتحول إلى عبء على اللغة، ليس له من دور إلا حراسة ضريح، لا حراسة لغة حية قادرة أن تستجيب وتتطور مع حاجات أبنائها، وهذا ما كانته العربية عبر أبنائها المبدعين من العلماء والساسة والأدباء والفلاسفة والكتاب عموماً، من غير انفصال عن تيار الحياة اليومية للناس العاديين، وما تمنحه حاجاتهم من طاقة تجديد في اللغة العربية نفسها.
وإذا انفصل اللغوي عن الحياة وما تتطلبه من شروط، وجد نفسه في مواقف حرجة، وضعف تأثيره حتى في أقرب الناس إليه.»
«من العار على نحوي أولغوي معاصرين ألا يكون شعر المتنبي مما يحتجَّان به، فالعربية ليست ملكاً للبداة الجُفاة، ولأصحاب اللهجات المهجورة، بل للصبيان! بينما لا يدخلها شاعر العربية الأكبر، وما زلنا إلى الآن خاضعين لهذه البلادة التاريخية والعلمية معاً.»

المزيد...
آخر الأخبار