عندما يضرب الفساد مجتمعاً ما فإنه يحدث زلزالاً في مفاصل الحياة ,لتطفو على السطح كل أوساخ المجتمع , فالقاتل بريء والشاهد الضعيف يصبح قاتلاً ,إلى أن يتحول لضحية (مقتول) , هكذا يصبح ميزان العدالة مختلاً ,ينحاز لحيتان تبتلع البلد بكل ما فيه , وتتحول عامة الناس لشيء هلامي بلا قيمة أو وزن ,هذا ما حاول فيلم (واحد من الناس ) أن يفضح به تركيبة المجتمع المصري الذي يغوص في بحر الفساد.
سيناريو يفضح …ويكشف
قام السينارست بلال فضل بكتابة قصة وسيناريو وحوار فيلم (واحد من الناس ) ليقدم لنا قصة بغاية الشفافية لواقع بائس يعيشه الشعب العربي المصري , مجموعة من الحيتان تتحكم بالوضع الاقتصادي والاجتماعي ,وهي فوق سلطة القانون , مشاجرة عادية تحدث بين أبناء الحيتان في ملهى ليلي وتتطور لتصل للقتل كعادتهم ,لأنهم مسلحون بشكل دائم , والشاهد على هذه الجريمة حارس لكراج الملهى محمود (كريم عبد العزيز) وشرطي بائس ,وفي قسم الشرطة يتم ابتزاز محمود بأن القاتل هو الشرطي المسكين الذي استخدم مسدسه بشكل متسرع ,وكل هذا يتم من خلال ضابط القسم الذي يتلقى رشوة كبيرة مقابل أن يبرئ ابن رجل الاقتصاد الكبير كمال أبو العزم (عزت أبو عوف ) وهكذا يحمل الجريمة الشرطي مقابل فتات من المال ,وتحاول مذيعة أن تشير من خلال إحدى القنوات الفضائية بأن القاتل الحقيقي هو ابن كمال أبو العزم ,ويرضخ محمود الحارس الليلي للواقع.. للأمر الذي يفوق مقدرته في الوقوف أمام طغيان المال المتحكم بالعباد والبلاد ,وبين الترغيب والترهيب , يجاريهم فيما طلبوه منه ,وأثناء الاحتفال بمولوده الأول من زوجته (منه شلبي ), تتصل المذيعة لتفاجئه بشريط فيديو يوثق جريمة القتل ومن القاتل ,وقبل موعد المحاكمة بيوم يتم خطف زوجته (منة شبلي )لكي يجبروه على الشهادة لصالحهم ,ولكن أمام القسم على كتاب الله ,لم يملك إلا أن يقول الحقيقة العارية التي تفضح هؤلاء القتلة ,ويستلم جثة زوجته وقد ذبحت بشكل وحشي ,وبعدها تتوالى الجرائم ,الشرطي يوجد منتحراً في السجن , ومحمود يدخل السجن لأنه حاول أن يعتدي على فيلا كمال أبو العزم ,وفي السجن يتعرف على طرف آخر من الحيتان هو (فؤاد سليم ), دخل السجن بمكيدة من منافسه كمال أبو العزم ,ويتفق معه على النيل من غريمه ,ويخرج محمود من السجن ليبدأ رحلة الانتقام بمساعدة رجال (فؤاد سليم ) ,وهكذا يدير اللعبة الانتقامية بأن يشعل الحرب بين كمال أبو العزم وبين منافس ثالث من رجال الأعمال يتلقى عدة ضربات متتالية , من حرق مستودعاته وتفجير مكاتبه , ويقتنع هذا بأن كل هذه الجرائم والفظائع وراءها منافس وحيد اسمه كمال أبو العزم ,طبعاً(محمود) يوقع الضابط الفاسد بمكيدة(رشوة ) ويزج به في السجن ويتم التخلص منه في السجن بنفس طريقة الشرطي, وأثناء كل هذه الأحداث يتعرف على ابنة كمال ,وتعجب به لدرجة الانبهار ,ويخطفها ليواجهها بحقيقة والدها ,بعد أن يسرد عليها مأساته وكيف تم ذبح زوجته ,ويعد العدة( الرجل الصناعي والتجاري) المنافس لكمال على تصفيته بعد أن تيقن بأن الأيدي الخفية وراء دماره صناعياً وتجارياً , وهو خاطف حفيده ,وهنا تتم المواجهة بين كمال ومحمود ,ليسر له بأنه وراء كل المصائب التي حلت بغريمه ,حتى قضية خطف الحفيد , وأثناء الهجوم المسلح عليه وعلى رجاله يتم الثأر من كمال و حراسه ,ليخرج محمود جريحاً من هذه المعركة .
لقد برع الكاتب السينارست بلال فضل في تقديم شريط سينمائي مكثف بحوار سلس جميل ,إيقاع العمل محكم بطريقة تحمل الدفء والروعة , شخصيات العمل هي من صميم الواقع , للناس المهمشة (الغلابة).
إخراج يرتقي ….
قام المخرج أحمد جلال نادر بإدارة الكاميرا , فقدم إيقاعاً سريعاً يناسب تصاعد الأحداث الدرامية الملتهبة ,وكان موفقاً بإدارة ممثليه , حتى الكومبارس كان متألقاً بعطائه الفني ,مشاهد الصدام المسلح نفذت بطريقة هوليودية تحمل الإقناع والإبهار ,المخرج الشاب أحمد هو ابن المخرج السينمائي الشهير جلال نادر ,ويبدو أنه تفوق على أبيه .
أداء ….؟؟؟يقدم الكثير؟؟؟؟؟؟
لعب دور البطولة (محمود) الفنان المتألق كريم عبد العزيز ,الذي يحمل سحراً خاصاً به , ولديه مقدرة هائلة للتلوين الدرامي ,الفنان الكبير الراحل عزت أبو عوف ترك لنا شخصية (كمال أبو العزم) بطريقة مدهشة بحضورها الرائع , الفنان الراحل أحمد راتب (محامي كمال) بحرفية عالية قدم هذه الشخصية بإتقان , الفنان الراحل محمود الجندي (والد محمود) بساطة وروعة بالأداء , الفنانة منة شلبي رغم مساحة حضورها القليلة ولكنها سمت بدورها الفنانة نسمة لعبت دور المذيعة وتفردت بحضورها الجميل
الموسيقى تساهم في ….
موسيقي خريج كلية الآداب هاو يبدع في صوغ موسيقى تلامس الوجع والفرح , موسيقى ذات جمل لحنية فريدة بحضورها الأخاذ , إنه الموسيقي الموهوب عمرو إسماعيل الذي ننتظر منه الكثير .
كلمة …قبل النهاية
ربما يسارع بعض النقاد للقول بأنه فيلم تجاري , لا بأس بهذا , فالسينما هي صناعة وفن , ولكنه أبدع بطريقة احترافية رائعة ,هو فيلم يخاطب الجميع ولا يستثني أحداً . محمد أحمد خوجة