كتب المفكر محمد راتب الحلاق في قضية جمالية هي الذوق، فقال:
تذوّق الجمال، والاستمتاع بالأشياء الجميلة، أيّاً كانت، علامة مميزة تدلّ على موقع الفرد في سلّم الوجود الإنساني. وأعني بالتذوّق حُسْن تلقّي الأشياء والأقوال والأفعال الجميلة، والقدرة على تحسّس القيم الجميلة الكامنة فيها، والقدرة على تمييز البديع( منها وفيها )، بالاستناد إلى ذائقة شخصية تمتلك معاييرها الأصيلة. ولن يمتلك الفرد هذه الذائقة إلاّ بتنمية الوجدان، وتربية الحسّ البديعي، واكتساب القدرة التي تمكّن من تقدير الجمال والاستمتاع به، بوصفه بعداً أساسياً من أبعاد إنسانية الإنسان، المخلوق الوحيد القادر على التحرر من الخضوع الارتكاسي للغرائز، والمخلوق الوحيد القادر على ضبط تلك الغرائز والتحكّم بها، وتنظيم إشباعها وفق أنظمة وسلوكات يقرها المجتمع. بل هو المخلوق الوحيد القادر على تصعيدها والتضحية بها في سبيل غايات يعدها سامية تستحق التضحية بها ومن أجلها.
ويسعى الإنسان، حتى في حالة إشباعه لتلك الغرائز، إلى إضفاء لمسات إنسانية راقية على سلوكه ( الزواج، وآداب المائدة، وسوى ذلك )، فنراه يعتني عناية فائقة بالكيفية اللائقة إنسانياً لإشباع تلك الغرائز والدوافع العضوية. وقد وصلت تلك العناية إلى درجة القيم والسلوكات الملزمة ( دينياً وأخلاقياً واجتماعياً )، والتي لابد أن يتحلّى بها الفرد ليكون مقبولاً من الجماعة التي يعيش بين ظهرانيها. لذلك عملت المجتمعات الإنسانية في سبيل تمكين أفرادها من تلك القيم وإكسابهم عدداً كبيراً ومتّسعاً من الأدوار الاجتماعية المتعلقة بقضايا الذوق والتذوّق وحسن تلقي الأشياء الجميلة، وحسن التعامل مع أنماط السلوك الجميل، والقدرة على التقاط التوهّج الذي يشعّ من مواطن الجمال أيّاً كانت.