كتب الناقد د. مصطفى عطية عن كتابه الجديد هذا قائلاً: كتابي الجديد الصادر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة.
يقع الكتاب في 244 صفحة من القطع الكبير ، ويناقش تجليات ما بعد الحداثة في مجالات مختلفة ، في الشعر ، والفن التشكيلي ، والثقافة والتاريخ والإبداع. أي أنه يرنو إلى التطبيق ، دون أن يبتعد عن التنظير ، أو بالأدق يحاول أن يزاوج ما بين التنظير والتطبيق ، ليطرح أسئلة من واقع التطبيق في الإبداع ، على ما تمَّ تنظيره في الفكر.
يتضمن الكتاب سبع دراسات نُشرت في مجلات علمية محكِّمة ، ومجلات متخصصة في مصر وخارجها ، في أزمنة مختلفة ، ولكنها كُتبت من رؤية واحدة ، وهي النظرة إلى آفاق ما بعد الحداثة في الثقافة العربية وإبداعاتها ، وكذلك في حركة الفكر العالمي.
الدراسة الأولى ، تناولت علاقة ما بعد الحداثة بقصيدة النثر ، من خلال أمثلة من الشعر الكويتي المعاصر ، فقصيدة النثر باتت عنوانًا للتحرُّر الشعري الإبداعي ، أنجزت الكثير جماليًا ، وأبانت عن مساحات أخرى لشغب الذات المبدعة مع نفسها ومع الحياة والأحياء ، لنكتشف في النهاية أن الإبداع العربي يواكب حركية الإبداع العالمي ، وأن الإنسان العربي يعاني غُربةً وتمردًا ، وعبثيةً وحيرةً ، وقد فاضت قصيدة النثر بكثيرٍ منها ، وأوضحت أن المبدع العربي لا ينفصل عن حركة الفكر العالمي.
وناقشت الدراسة الثانية ما بعد الحداثة والفن التشكيلي ، فكثير من الإبداعات التشكيلية الآن هي امتداد لفكر ما بعد الحداثة في تجلياته البصرية ، على مستوى الخامات المستخدمة ، والرؤى المقدمة ، وأن جزءًا من فناني ما بعد الحداثة في الغرب والشرق ، ساروا مع موجة العولمة ، وأضحوا يوظِّفون الإبداع التشكيلي ضمن المتطلبات الرأسمالية ، ساخرين من إغراق فناني الحداثة التشكيليين في الغموض والرمزية ، وفضَّلوا أن يكون الفن ضمن الاستخدام التجاري ، ومستفيدًا من الإمكانات التكنولوجية الحديثة.
وناقشت الدراسة الثالثة ظاهرة الموت المعنوي في الفكر الغربي المعاصر، أي موت الثقافة ، وموت السياسة ، وما يتصل بهما من موت المؤلف وموت الناقد وموت المترجم. من خلال طروحات ما بعد الحداثة في قراءتها للظواهر الاجتماعية والثقافية في الغرب.
أمَّا الدراسة الرابعة فهي تركِّز على أهمية قيادة المبدعين للأُمم ، وتجادل في أن هناك نوعين من القيادة : قيادة بيروقراطية تقليدية ، وقيادة مبدعة ، موهوبة في فهم حركة المجتمعات ، وتمتلك خيالاً واسعًا يُعبِّر عن نبض الجماهير. وتأتي رؤية ما بعد الحداثة تنتصر للعنصر البشري الفردي ، في مواجهة طروحات الحداثة التي كانت تروِّج دائمًا لما هو جمعي وقومي ، دون اعتبار كثير للفردية المبدعة.
الدراسة الخامسة تناقش مفهوم الكتابة عَبْر النوعية ، برؤية ما بعد الحداثة للأجناس الأدبية ، التي تنحاز لتخطي حدود الجنس الأدبي ، وعدم التقيد الصارم به ، فيمكن أن نجد رواية بلغة الشعر ، أو بروح الدراما ، ويمكن أن نقرأ شعرًا مُصاغًا برؤية درامية في مقاطعه ، ممتزجة بأجواء صوفية ، أو مُطعَّماً بلُغات أُخرى. مما يعني نشوء أشكال أدبية جديدة ، وتكوين ذائقة لدى المتلقي المعاصر ، الذي تهمشت الكلمة المكتوبة في حياته وانحاز كثيرًا لما هو مرئي ومسموع.
الدراسة السادسة تتوسع في قراءة التاريخ وفق منظور ما بعد الحداثة ، وأبرز المآخذ على الرؤى الحداثية في قراءة التاريخ ، والتي اعتمدت الأُحادية سبيلاً لها ، فهناك القراءة الماركسية المستندة إلى المادية الجدلية ، والقراءة القومية التي تنتصر لما هو قومي ، وقد تُهمل عناصر أخرى ، بدعوى عدم انتمائهما القومي ، وما رافقها من إشكالات عديدة ، تتصل بهوية الشعوب ، والقراءات للتراث ، وتعيد المكانة لكثير من المهمل في تاريخ الشعوب ، مثل التاريخ الشفاهي ، والمهمشين ، وتاريخ الأقليات ، ورفض التاريخ الرسمي المكتوب من قبل السلطة ومن يناصرها وغير ذلك.
وجاءت الدراسة السابعة والأخيرة قراءةً في كتاب ، ينظر في أزمة الهوية في العالم العربي ، وموقفها من الدولة الحديثة التي تمَّ تطبيقها في أعقاب التحرُّر من الاحتلال الأجنبي ، وما صاحب ذلك من إخفاقات وإنجازات ، فهي قراءة من منظور ما بعد الحداثة ، لمنجز التحديث في الدول القُطرية العربية ، وأزمة الإنسان العربي المعاصر على صعيد الانتماء ، وتعزيز القيم والأخلاقيات المستقاة من التراث.