استقبال عام 2020

-1-
اعتاد الناس تجميع أوراق أمنياتهم التي ينتظرون تحقيقها في لبوس باقة ورد أحمر، ينثرون وريقات تويجاتها على عتبات الليلة الأخيرة من كل سنة، متناوبة في طبيعة توجهاتها، تناوب قرار وجواب، فيضعون القرار منها في سلة حمراء، والجواب منها في سلة عاتمة سوداء، وهم يرددون أقوالهم التي تجتمع ساندة رأس كل قرار منها في السلة الحمراء بما يليق من الأمل والرجاء: «قصائد صادقة أصيلة معمدة بدم القلوب وأشواقها إلى جمال ونور مطلقين، قصص وروايات وخواطر مغمّدة بتفاصيل الحياة اليومية للإنسان البسيط، دراسات مثابرة تكشف أمام العيون سرحها إلى أعالي الكبرياء البشري وصفاء جماله». ودافعة فوضى كل جواب منها مع مواكب ادعائه وصلفه وغروره إلى عتمة السلة الثانية وخيباتها: «كتابات بلا روح ريانة بصدقها ومواعيدها، تنظر إلى الإنسان البسيط في الحياة نظرة مغرور ذابلة الرؤى والأماني».
-2-
تتزاحم ذكريات الناس وأحلامهم بألوانها على عتبات كل عام جديد، ملوحة بيد لما تريده حدائق وارفة الظلال، تحوّل بخضرتها ضعف الوجود عن الأمل وتحقيق المراد إلى أناشيد حالمة… ودافعة بيد كل ما يخيف انتظار فجرها من عتمات عالقة في ذاكرتها المكبلة بقيود الأسى والخيبات… وغالبا ما ينتج عن تشابك اليدين انفراج أسارير الشوق إلى قصائد وقصص وروايات وخواطر شخصياتها بسطاء الحياة اليومية للإنسان وموداته، ودراسات مثابرة تكشف أمام العيون سرحها إلى أعالي الكبرياء البشري وصفاء جماله، وصداقات مع كتاب ومثقفين يحفظون نعمة الشاي والقهوة وخبز المائدة، مرتفعين بنور المطلق على ظلمات المكسب الآني العجلان….
-3-
يشعر المرء بضرورة وجود آداب وفنون تلبي ظمأه المعرفي والوجداني والتخيلي، ناسيا إلى أجل غير مسمى ضرورات اقتصادية واجتماعية كثيرة، كأن الآداب والفنون استطاعت من سنة إلى سنة، أن تختطف كلمة الصدارة ووعودها، مستفيدة مما في أعمال أعلامها، الداوية بمثل «رقصة السيف» لآرام ختشادوريان، أو صرخة شخصية «أبي الخيزران» البصراوي في رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، استفادة تجعلها غير هيابة سطوة لائميها، وهي تجبل بياناتها على عتبات كل عام جديد، من تراب القصائد والقصص والروايات والموسيقا والحب والشوق البشري والفراق والدموع، مدركة كيف تعمّد يديها في أجران الصدق والحزن والأمل….
-4-
كان القرنان التاسع عشر والعشرون – على الرغم من حروبهما العالمية وربع العالمية – يسمحان لأبنائهما بتداول أعوامهما على طاولات من الأحلام والآمال المزركشة المفتونة بغد مأمول، مانحين شعراءهما وروائييهما ومسرحييهما ورساميهما وموسيقييهما وما شابههم من المشتغلين في حقول الثقافات والآداب والفنون حقوق منح الوعود الزاهية بمثل ذاك الغد المأمول، غير أن أخاهما القرن الحادي والعشرين راح يتفرد بقراراته يوما بعد يوم حاجبا عن مستقبلي أعوامه مثل تلك الحقوق، وحارما طاولات أولئك المشتغلين الكرام من تفهم عامية سلفهم نصري شمس الدين مترنما: «طل القمر (نتفة) وغاب على هاك التطليعة!».
-5-
لا تفكر الآداب والفنون على عتبات كل عام جديد، في استنكار أذى خصومها وبرودة مشاعرهم وخمولهم وسكونية رؤاهم وركود حركة الزمن البليدة في تخليها عن عربات سنة مضت، وحجز مقاعد وثيرة ملونة في عربات عام جديد….

د.راتب سكر

المزيد...
آخر الأخبار