حـــــــوار ليـــــس هــادئاً!!

قلت لصديقي.. وقد أردت أن أفتح حواراً هادئاً:
ـ من ذاك الكاتب (الأديب) الذي كان يطالب أصدقاءه دائماً بقول الحقيقة عارية (!!) ردّ وهو ـ بعد ـ لم يتهيأ لما عنيته بالضبط:
ـ لست أدري، هناك كثيرون نادوا بذلك!
قلت: صحيح أنا لا أعرف اسمه، أو أنه لا يحضرني الآن، ولكنه حادّ الذكاء، سريع البديهة، وساخر أيضاً.. تصورّ ما قاله:
ـ من بين عشرين شخصاً يتحدثون تسعة عشر يتحدثون بالسوء.. ويغالطون الحقيقة، وواحد يقول خيراً ولكنه يقوله بطريقة سيئة (!!!).
ـ صحيح!! بل صحيح، ومؤثر!!
كم تمنيت ياصديقي أن نتحدّث دائماً لوجه الحقيقة، أن نقول ما نريد أن نقوله دون مواربة، أن لا تبقى الكلمات، التي هي قدر الكاتب، مجرد كلمات، أن نختصر في الحروف، ونوجز في الأفكار، ونتكلم ـ فقط ـ بحجم ما نريد بلا زيادة أو نقصان، أن نلغي المرسل والمسجوع والمسهب.. وأن نلمس القلب مباشرة، أن نلمس الجوهر ونبتعد عن القشور أن نصيب كالرمح الهدف. أن نتهم.. وندين.. ونجلد .. أن نعبر عن أصدق ما بأنفسنا، أن ننفذ إلى غايتنا.. أن … أن… أن..
ـ مهلاً، مهلاً أنت تطلب المستحيل؟! المستحيل أأنت تقول ذلك!! ردّ صديقي وهو أكثر هدوءاً:
ـ نعم، كلامك هذا ضرب من الخيال، أمنياتك هذه تفتح أبواباً، ليس لها نهايات!
ـ كيف!! تصوّر ـ ياصديقي ـ أنك قلت لزميلك الشاعر أن ما قاله من شعر لا يرقى إلى المرتبة العاشرة في دنيا الشعر.. تصوّر أنك قلت لذيّاك الأديب أنّ كتابته لا تصلح أن تكون موضوعات في الإنشاء لطالب مبتدئ في المرحلة المتوسطة، تصوّر أنك قلت لصاحبك الكاتب الألمعي أنّ ما كتبه لا يعدو أن يكون خربشات وثرثرة كفقاعات الصابون، لا تصافح أذناً، ولا تتحدى فكراً.. تصوّر.. تصوّر!! وبعد ذلك قل لي: من سيبقى لك من الأصدقاء والتابعين، والمحبين، والمعجبين، والمؤيدين..و..و.. قل لي، من سيبقى لك من هؤلاء جميعاً؟!!.
قلت بأسف: ولكن، ياصديقي أن نستمر فيما نحن فيه خطأ.. والخطأ يزداد كل يوم.. ويتسع كدوائر الماء.. والذي لا يملك موهبة صار موهوباً، والذي لا يعرف الشعر صار النابغة!!.
ثم ألا تريد، وأنا، والآخرون أن نقول للمجد أجدت، وللمخطئ أخطأت.. لا تريد أن نكشف الأوراق التي اختلطت على نحو فاجع!! ألا تريد أن نفتح قلوبنا.. وأن نتركها هكذا بيضاء نقية، تقول أكثر الأشياء صدقاً وعفوية وعذوبة.. أن نسمح للبراءة بالدخول، أن نحني رؤوسنا للصدق، والشجاعة، والإخلاص، أن نترك الكلمة تتقدم بالنقد الصحيح والرأي الحرّ، أن تتنفس الهواء النظيف، وأن نكشف صدورنا للريح.. و…و..
قاطعني صديقي: حاول أنت أولاً..! جرّب وأنا بانتظار النتيجة، وأريد أن تتذكر ـ زيادة في الحرص على ما أبديت ـ أن الكلام ياعزيزي كالدواء.
إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل!.. ورحم الله الذي قال: لا خير في القول بالجهل لا يخرج عن العقل، ولا يدخل ضمن إطار الواقع!!.
قلت: صدقت!!.

نزار نجار

المزيد...
آخر الأخبار