أستميح جدتي التي غادرتنا إلى الدار الآخرة قبل نصف قرن ، أستميحها عذراً وأنا أستعير مفردتها القديمة الجديدة (( الكانون )) في هذا الشتاء القارس الذي قل فيه المازوت رغماً عنا ليحل مكانه الحطب بكل أنواعه وأصنافه ،مع ما يمتلكنا من ألم وحسرة على تلك الأشجار من سنديان وبلوط ، والتي قطعت خلال سنوات الحرب الظالمة على وطننا ….
الكانون …ربما الكثير من أبناء هذا الجيل يجهله لأنه أصبح تحفة نادرة قد نشاهده في المتاحف الشعبية ، نتأمله ونتذكر أيامه التي انقضت ، وأيام عزه التي عادت مع دعاة (الحرية والديمقراطية )؟؟!! اليوم …
. أعادوه إلينا في ظل الظروف الراهنة فعاد لعزه ومكانته … الكانون هوعبارة عن منقل دائري يُصنع من الطين وله أرجل عدة ربما ثلاث أو أربع ، يوضع فيه الحطب وعندما يتحول إلى جمر يتم إدخاله إلى بهو البيت حيث يجتمع حوله أفراد الأسرة ليشعروا بشيء من الدفء .. أيام زمان وقبل استخدام المدافئ والمازوت كان الكانون وسيلة التدفئة الوحيدة في الشتاءات القارسة. يومها كان الناس يتأقلمون معه ولا يجدون بأساً في استخدامه … أما اليوم وبعد كل هذا التطور والتكنولوجيا ثمة إشكالات في استخدامه لكن عندما تنتفي كل سبل التدفئة التي كانت متاحة قبل الأزمة لابد للإنسان أن يتأقلم مع الواقع الجديد ، المهم أن تشعر الأسرة بالدفء وخاصة الأطفال الصغار …صحيح أن حجم الغابة يتراجع .. صحيح أن تجار الأزمات ينشطون … صحيح أن بعض الناس باعوا ضمائرهم وراحوا يستغلون ويرفعون سعر هذه المادة أو تلك ،سواء أكانت أساسية أم استهلاكية ،دونما رادع من ضمير أو أخلاق…..وصحيح أن السماسرة زاد عددهم وزادوا من جشعهم واستغلالهم … وصحيح و … لكن كل شيء طارئ أو جديد يمكن التأقلم معه وإيجاد الحلول الابداعية الناجعة له وتأمين الحاجيات الضرورية ضمن الظروف والإمكانات المتاحة من أجل أن يبقى الوطن عزيزاً شامخاً صامداً قوياً منيعاً، ومن أجل أن يؤمن المواطن حاجياته بيسرِ وكرامة …. فالسوريون الذين أبدعوا الأبجدية وبنوا الحضارة وساسوا العالم ، قادرون على قهر الصعاب رغم أنف المعتدين والمتآمرين والحاقدين وتجار الأزمات وعديمي الضمير والأخلاق …السوريون الذين يتباهى العالم بذكائهم ووطنيتهم وحبهم لوطنهم لن يقفوا عند نقص في المازوت أو الغاز أو….هم كالطود صامدون يأكلون من خيرات أرضهم الطيبة ، يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون … لا يبيعون وطنهم ولا يتاجرون بكرامتهم … هم أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ويوسف العظمة والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط وسلطان باشا الأطرش وحافظ الأسد و…
-1-
هؤلاء الأبناء والأحفاد يدركون أن وطننا» اسمه سورية،وطن الشمس والنقاء والصفاء،يستحق من كل مواطن شريف التحمل والصبر ،التضحية والفداء…هذه التضحية تظل بسيطة وصغيرة امام التضحيات الجسام لرجال القوات المسلحة الباسلة…حماة الديار،حماة الأرض والعرض،هؤلاء النشامى هم المدرسة الأولى في التضحية والفداء،هؤلاء الأبطال يتحملون الحر والقر،يتحملون البرد القارس تحت المطر والثلج ،لا يأبهون للصعاب لأنهم أقسموا أن يصونوا الوطن ويحموا حدوده ..
في كانون ..في كل الأوقات…في البرد …في المطر…يزرعون الطرقات أمانا»وطمأنينة،هدفهم إعادة الأمن والأمان إلى ربوعه وبين أيديهم كل الدروب إلى المجد العظيم…