إن تنافص فرص العمل وتزايد متطلبات الحياة وتكاليفها خلال السنوات الماضية، دفع الكثير من الناس وخاصة المرضى لمراجعة المشعوذين والدجالين وعزفوا عن مراجعة العيادات الطبية والأطباء إما بسبب الجهل والتخلف وإما بسبب ارتفاع أجور الكشوف الطبية.
لقاءات كثيرة وكلها في سبيل أن نعرف ماالذي يدفع بشخص ما للذهاب إلى مشعوذ؟ ولماذا معظم زبائن المشعوذين من المرضى؟ أساس الشعوذة سعي الإنسان لمعرفة ما خفي عليه حين تستعصي عليه الوسائل الأخرى، والمشعوذ هو شخص يمتلك القدرة على إقناع الناس بأنه يستطيع عمل ما لايقدر عليه الآخرون.
فهو يستطيع معالجة الأمراض المستعصية، ومعالجة حالات الطلاق أو التقريب بين الزوجين، ويستطيع معرفة كل شيء، فأجور الكشوف الطبية كاوية مقارنة مع أجور المشعوذ أو الدجال وبسبب الجهل والأمية يراجع الكثير من أفراد المجتمع المشعوذ لمعرفة الطالع والنازل.
معالجة كل المشكلات
القصص كثيرة، لكن متشابهة، وكلها يستفيد منها شخص واحد فقط هو الدجال.
ـ (س ـ ع) فتاة تحمل الابتدائية ومن بيئة فقيرة /35/ عاماً تحكي عن تجربتها مع مشعوذ لجأت إليه لكي تعالج مرض الصداع الذي تعاني منه منذ زمن طويل، حيث راجعت عيادة جميع الأطباء لمعالجة مرضها المزمن ولم تتماثل للشفاء إلا بعد أن راجعت مشعوذاً فأجور الكشوف الطبية عند الأطباء مرهقة، وأسعار الأدوية كاوية.
وأضافت الفتاة قائلة: الطبيب الشعبي (المشعوذ) قادر على معالجة الأمراض وبأجور رمزية على عكس الطبيب وبالفعل بعد أن ذهبت إلى بيت الطبيب الشعبي وكتب لي وصفة أعشاب وقرأ لي وبصّر بالفنجان وأشعل النار حولي في غرفة واحدة أنا وهو، ووصف لي الدواء الذي صنعه هو، فقد زال عني المرض.
والد الفتاة وأخوها من ذوي البيئات المتخلفة.. ومع ذلك لم يخطر لهما أن البنت تحتاج طبيباً نفسياً بل راحوا يعرضونها على الدجالين.
ـ (هـ ـ م) 17 عاماً ـ ابتدائية ـ لم يدم زواجها سوى شهر واحد كان ذلك قبل ثلاث سنوات تم الزفاف وسارت الأمور على مايرام وبسبب الجهل والظروف المادية الصعبة حدثت الخلافات ورجعت إلى أهلها لماذا؟ لأنه شرير وصعب ولا يعمل إلا الثرثرة ولا يقدم شيئاً للبيت..واستمر ذلك أكثر من شهرين… ومن ثم مرضت الزوجة..
بعد أن تعرضت لصدمة نفسية نتيجة صغر سنها ولجهلها وجهل زوجها بأصول التعامل الإنساني بين الزوجين في بداية حياتهما.
وأبو الفوارس صاحب الشهرة بحل المشكلات، فكان الملاذ الآمن لمعالجة مشكلات الزوجين، فذهب الأهل إليه وطلبوا معالجة ابنتهم، حيث طلب منهم أن يكون العلاج في مكان مظلم وبعيد عن الناس حتى يخرج الجن من جسد الزوجة، ووصف لها الدواء مرات ومرات بواسطة يد امرأة متخفية، فتدهورت حالة المرأة الصحية ولم يفكر الأهل بمراجعة طبيب نفسي، لأن الطبيب لايشخص المرض جيداً وأجوره مرتفعة، بينما (أبو الفوارس) يعالج المريضة بمبلغ من المال بسيط، حيث روت لنا المرأة إحدى جلسات العلاج قائلة:
صاح أبو الفوارس قائلاً: أنا أراك أيها الجني، أنت مختبئ هناك، سآتي إليك وأحرقك، ها هو أبو الفوارس قادم إليك.
وترك أبو الفوارس البيت وخرج مسرعاً إلى بيت أهل المرأة وهناك راح يصرخ من جديد وأشعل بعض الشموع ثم قال للأهل إنه أحرق الجني وبالطبع كانت هناك مائدة عامرة له.
هذه الحالات مجرد مثال عن آلاف الحالات المماثلة وكلها ظواهر خاطئة تفرغ العلاقة الإنسانية من محتواها بسبب الجهل والتخلف والأمية في مجتمعنا.
رأي المحرر: مما تقدم يتبين أن عوامل عدة تشترك في دفع الإنسان نحو التعامل مع المشعوذين واللجوء إليهم لحل مشكلاته ومن أهم هذه العوامل: البيئة التي نشأ فيها الإنسان والظروف المحيطة به.
إذا عرف السبب؟
المحامي نضال أحمد قال: إذا بحثت في سجلات المحاكم، لن تجدي إلا فيما ندر شكاوى تتعلق بالمشعوذين، والسبب هو أن أكثر مراجعي الدجالين هم من الأميين أو النساء المرضى، والسبب الأهم الذي يترتب على ذلك هو أن المشعوذ يستقبل النساء واحدة فواحدة، أو الشخص المريض واحد فواحد، ومهما حصل منه غالباً لن تجرؤ المرأة أو الفتاة على البوح أو الشكوى، بل ستبتلع سرها وتسكت.
والحل يكون في التوعية المدرسية المدروسة والمستمرة أو من خلال وسائل الإعلام ولابد من فرض رقابة صارمة على هذا الكم الهائل من المشعوذين والدجالين.
توفيق زعزوع
المزيد...