ارتفاع تكاليف الزواج تزيد من العنوسة التنازل عن بعض المتطلبات بات ضرورة وتأمين منزل صار من المستحيلات
لم تكن مشكلة تأمين متطلبات الزواج غائبة عن مجتمعنا يوما،فهي ليست ناجمة عن الأزمة فقط، بل كانت موجودة ولكنها لم تصل إلى حدود فاقت قدرة الراغبين في الزواج كما هي اليوم حيث باتت أكثر صعوبة من جميع النواحي، وللأسف لم تؤثر هذه الظروف في خفض سقف متطلبات أهل العروس في الوقت الذي يفرض فيه واقع الحال تقديم التسهيلات، ومساعدة الشباب لتجاوز هذا التحدي، نجد أن الأمور تتجه نحو تعقيد الشباب وإحباطهم،فتأمين المنزل وتجهيزه أصبح شبه مستحيل في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وبات تأمين متطلبات الزواج ضربا من الخيال ويحتاج إلى فانوس علي بابا السحري ،مادفع معظم الشبان إلى العزوف عن الزواج أو تأجيل الفكرة إلى أجل غير مسمى ،ما يوحي بأن سن العنوسة سوف يرتفع كثيراً فإذا صادفنا شاباً بلغ الخمسين ولم يزل عازباً سنقول له بأن قطار الزواج لم يفته وأن لديه متسعاً من الوقت ،وكذلك بالنسبة للفتيات فمن تجاوزت الأربعين سنقول لها مازال الوقت مبكراً.
عالخبزة والزيتونة
أحد الأصدقاء بلغ الخامسة والأربعين قال : ألغيت فكرة الزواج بعد رفضي من قبل أهل الفتاة التي أحببتها لأنني لا أملك منزلاً ،وآخر قال :أحتاج إلى مئة سنة إضافية لأتمكن من تحقيق متطلبات أهل العروس من منزل وأثاث وذهب وحفلة زفاف.
أعتقد أن الأمور تسير نحو الأسوأ مع مغالاة الأهل في طلباتهم، وتحديداً المهور الكبيرة، وتمسكهم بتقاليد الزواج المتعارف عليها التي يطلبها أهل العروس من العريس كالمنزل، والذهب، وحفلة الزفاف التي يتوجب على العريس إحياؤها في صالة أفراح، والتي تندرج في خانة «البرستيج» الاجتماعي، ما يدل أن نسبة العنوسة ستزداد كثيراً ،وبات من الضرورة بمكان إعادة النظر بمتطلبات أهل العروس وتيسير الأمر بالحدود المعقولة.
أبو فادي قال: لايمكن أن أقبل بعريس لابنتي ليس لديه منزل ،ويسكن بالإيجار لأنني أخشى أن تعود ابنتي مع أبنائها لتسكن معي وأنا بالكاد أتدبر أموري، وحكاية العيش على الحصير والرضا بالخبزة والزيتونة وماشابه ذلك من أحاديث أجدادنا لم تعد تنفغ في هذه الأيام فالحب والرومانسية والأحلام الوردية ستتلاشى عند الاصطدام بالواقع الذي نعيشه ،فالفقر عندما يدخل من الباب سيهرب الحب من الشباك ومن يتزوج بالدين سيذهب أبناؤه بالفائدة.
بلا طنة ورنة
من المؤكد أن التخلي عن بعض التقاليد في الأعراس ليس بالأمر السهل على العروس لأن كل فتاة تحلم بلبس الفستان الأبيض والمكياج وصالة الأفراح وغيرها ،لكن للضرورة أحكام ،فالأسعار الخيالية جعلت الكثير من الفتيات يتنازلن عن فستان الفرح ،حيث وصلت أسعار استئجار الفستان إلى أرقام فلكية بدءاً من ٥٠ ألف إلى مئات الألوف حسب الجودة وعدد مرات استئجار الفستان والقماش وغير ذلك، وأصبحت الفتاة التي تفكر بعقلانية بعيداً عن الأحلام الوردية تستبدل الفستان بقطعة أثاث لمنزلها، وباتت الكثير من حفلات الزفاف›› عالضيق كما يقال›› وتقتصر على بعض الأقارب وبدون طنة ورنة، ومانشاهده أو نسمعه عن حفلات زفاف في صالات فرح فخمة ومايحتاجه ذلك من نفقات خيالية أصبحت بعيدة عن الأسر المستورة والتي تكتفي بالحدود الدنيا.
طقوس الزواج لاتحقق السعادة
الباحثة الاجتماعية رندة العبيد قالت :لا شك بأن الاستمرارية في الحياة تتطلب الزواج، والإنجاب وتكوين أسرة، وأثبت المواطن السوري خلال الأزمة حبه للحياة، وتشبثه بها، وفي ذلك دفاع عن الوجود، وإحباط للمؤامرات التي تهدف إلى نفي وجود الوطن والمواطن، وتضيف بأن طقوس الزواج اختلفت، والمراسم الاحتفالية أصبحت محدودة ومقتصرة على عائلة العروسين فيما بينهما، وبيّنت بأن حفلات الزفاف والمناسبات التي تبالغ بالتكاليف المادية والمظاهر، تنم عن فئة من المجتمع مستهلكة وليست منتجة، وهي فئة أنانية تفتقد الإحساس بمشاعر الآخرين، والمسألة ليست مزايدة ومبارزة بين الأسر بأساليب فيها تهميش للمشاعر، وتسطيح للعقل، والزواج هو رابطة مقدسة، وليست الطقوس من تعطي الحب والسعادة، وإنما طبيعة العلاقة، ومدى الانسجام والتفاهم بين الطرفين، وبما أننا اليوم في مجتمع يعيش في ظروف صعبة يجب أن نراعي الحالة الاقتصادية.
يسر ولا تعسر
الاستقرار وتكوين أسرة حاجة نفسية ملحة، وتحقيقه يجب ألا يتوقف على محبس برّاق، أو فستان أبيض وزفاف مليء بالبهرجة والإسراف بد ون حاجة لإسكات أفواه الناس، فالتحديات المادية كثيرة،وظروف الحياة قاسية جداً لذلك فإن القناعة والرضا والتفاهم بين الشاب والفتاة هو الأساس، وليس تفاصيل جزئية ليوم من العمر، وعلى كل فتاة أن تقدّر ظروف كل شاب، خصوصاً في الضائقة الاقتصادية التي لا ينجو أحد من تداعياتها، ولذلك لابد من تعاون وتضافر الجهود لمساعدة الشباب، وتسهيل الزواج، وتبسيط تكاليفه، والتقليل من طلبات الأهل.
فيصل المحمد