مدينة سلمية المترامية الأطراف على حدود البادية، تضم بجنباتها آثاراً كثيرة، تحمل عبق الماضي وتاريخه العريق الموغل بالقدم، تشهد ألق الأمويين وحضارة الآراميين، وإبداعات الرومانيين.
أوابدها الأثرية العريقة بالتاريخ والماضي، المتنوعة والكثيرة تحتاج لاهتمام ورعاية المديرية العامة للآثار والجهات المعنية، وإعادة ترميم لبعضها التي تضررت بظل الأحداث التي عصفت ببلدنا الحبيب، لإبرازها بالشكل المناسب لاستقطاب السياحة والزوار، والضرورة لإقامة متحف أثري يليق بمدينة الفكر والثقافة والتاريخ.
صحيفة الفداء وانطلاقاً من حرصها على آثار بلدنا الحبيب، وللوقوف على واقع آثار مدينة سلمية وريفها، كان لها جولات ميدانية على بعض المواقع الأثرية ولقاء مع المعنيين بها.
مع شعبة آثار سلمية
رئيسة شعبة آثار سلمية، المهندسة رانيا الخطيب حدثتنا قائلة: يعد موقع مدينة سلمية الجغرافي، أحد أهم عوامل غناها بالمواقع الأثرية، حيث هناك أكثر من /100/ موقع أثري، أهمها الحمام الأثري ـ مقام الإمام اسماعيل ـ سور سلمية الأثري ـ قلعة شميميس ـ مبنى الثانوية الزراعية ـ الأقنية الرومانية وغيرها كثير، بالإضافة لتلال أثرية عديدة ضمن المدينة وريفها، وتعد من أهم المدن الموجودة بمنطقة حوض شرقي العاصي وصلة الوصل بين البادية والمدينة وتنتشر فيها المواقع الأثرية على كامل رقعتها الجغرافية، من عصور ما قبل التاريخ الموجودة في منطقة جبل البلعاس، وصولاً لقلعتيه الإسلامية بمركز المدينة، وقلعة شميميس التي تقبع على أعلى قمة جبل بركاني كحارس للمدينة من الجهة الغربية، لكن معظم هذه المواقع تعرضت لأعمال تخريب ونهب خلال السنوات الماضية، من قبل العصابات الإرهابية المسلحة، وخصوصاً ضمن المنطقة الشرقية، نذكر منها كنيسة الشيخ هلال وكنيسة القسطل الشمالي وتلته، بالإضافة لكنيسة عقيربات التي تعد من أهم المكتشفات الأثرية وثاني أكبر كنيسة على مستوى سورية، تعود للعصر البيزنطي لعام /412 / قبل الميلاد، فيها /14/ لوحاً كتابياً قديماً، وتم كشفها بعد اندحار المجموعات الإرهابية من المنطقة الشرقية، ونقلها إلى دائرة آثار حماه للحفاظ عليها من النهب والتخريب، ريثما يتم إقامة متحف خاص بها بسلمية، وقامت شعبة آثار سلمية بالتعاون مع الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، بالكشف عن معظم المواقع الأثرية بالمنطقة التي كانت تحت سيطرة العناصر الإرهابية، وتوثيق أعمال التخريب والأضرار الحاصلة فيها، وتأمين حماية وحفظ ضمن الإمكانات المتاحة لهذه المواقع.
وتضيف الخطيب قائلة: كان عملنا خلال الأحداث بسورية، الحفاظ على آثار المدينة وتأمين الحماية اللازمة لها ومتابعة وقمع المخالفات، وهناك قوانين وعقوبات رادعة لمنع التعدي على المواقع الأثرية أو البناء عليها، كما أنه هناك موافقة على إحداث متحف للمدينة بموقع الجندول الأثري ، لكن بسبب الأزمة المشروع متوقف، نأمل إقامته.
أهم الأوابد
قلعة سلمية وسط المدينة
أقيمت القلعة وسط المدينة، إبان العصر اليوناني، لتكون مقر الإدارة ضمن سور كان يحيط بالمدينة بطول /4كم/ في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، تداعت القلعة بسبب كثرة الغزوات والحروب ثم أتى زلزال عام 1157م، وجدَّدَ بناءَها نور الدين الزنكي، ثم دمرت وأعيد بناؤها بالعصر الأيوبي، هدمها التتار عام 1400م، فغابت عن التاريخ إلى أن سكنها سكان سلمية الجدد عام 1848، استخدم السكان حجارتها البازلتية السوداء لبناء منازلهم، كان لها ثمانية أبراج، لم يبق منها إلاَّ قواعد وبرج وسور يلاحظ وسط المدينة.
قلعة شميميس
معلم أثري هام يقع على قمة جبل منفرد من سلسلة جبال العلا، تبعد /5كم / إلى الشمال الغربي من سلمية، تذكر المصادر بأن أول بناتها هم أمراء حمص من أسرة شميميسغرام العربية في أواخر العصر الهلنستي وبداية العصر الروماني ومن اسمهم اشتق اسمها، أصابتها الزلازل وعوادي الزمن، فتداعى معظم بنائها الأول، دمرها كسرى وجدد بناءها شيركوه الأيوبي عام 1229م ، ومن ثم دمرها هولاكو، ثم رممها الظاهر بيبرس، وكان آخر تدمير لها على يد تيمور لنك التتري عام 1400 م، وطراز القلعة الحالي أيوبي من حيث الجدران والأبراج، ويحيط بها خندق عميق يصل إلى عمق /15م واتساع 20م/ وقد غطته الأتربة، أبراج القلعة هي داخلية في عمارتها، مدخل القلعة من الجهة الشمالية الشرقية، لم يبق منها حاليا إلاَّ بعض الأبراج المهدمة وبقايا الأبنية.
الحمام الأثري
يعد من أجمل الحمامات الأثرية في بلاد الشام، ويمثل بسوياته الأثرية الباقية أغلب المراحل التاريخية المعروفة، التي مرت على سلمية، حيث تشير أقدم الدلائل الباقية لعودة البناء الأول للعصر الروماني عام 64 ق. م ـ 395 م، وزادت أهميته بالعصر البيزنطي مع تعاظم الدور الديني لسلمية التي أصبحت أبرشية كبرى، أعيد تشغيل الحمام بالعصر الإسلامي، ولاقى اهتماماً كبيراً في العصر الزنكي والأيوبي، حيث أعيد بناؤه بشكل كامل، ولقد وصل الحمام الأثري سالماً لأهل سلمية عند إعمارها الأخير، فأعادوا تشغيله واستخدامه كحمام وحيد للمدينة حتى أواسط القرن العشرين.
مقام الإمام اسماعيل
ـ مقام الإمام اسماعيل، المسجد ذو المحاريب السبعة، يقع إلى الجنوب الشرقي من الحمام الأثري، بناه العباسيون في فترة حكمهم، من بقايا معبدين وثنيين يعود أولهما لفترة العصر اليوناني، ثم حوله الرومان لمعبد للإله جوبيتر، وفي العصر البيزنطي تحول لمقر الأبرشية، حيث كان يتبع لها أكثر من /40/ كنيسة بوسط بلاد الشام، تعرض المسجد لزلزال وتهديم، ثم أعاد بناءه الأئمة الاسماعيليون الأوائل أواخر القرن الثاني الهجري، وقام بترميمه البهرة عام 1993.
الأقنية الرومانية
سميت بالرومانية لأن بناءها يعود لعصر السيطرة الرومانية، لكن بناتها الحقيقيين هم أبناء المنطقة، كان الهدف الأساسي لحفرها هو زيادة الرقعة المزروعة، ويوجد في منطقة سلمية أكثر من /360/ قناة، وهي من التحف الأثرية ومن العجائب الناطقة بمقدرة الأقدمين وعبقريتهم في البناء والهندسة.
قناة العاشق
يعود تاريخ شقها للقرن الأول للميلاد وتعد من أهم وأعظم القنوات بالعالم، وقد خلدها التاريخ من خلال ربطها بأسطورة جميلة مفادها بأن حفر القناة كان مهراً قدمه أمير سلمية العاشق للأميرة أفاميا، حيث تبدأ القناة من عين الزرقاء بسلمية، وتسير باتجاه مدينة أفاميا ، ضمن تضاريس غاية في التعقيد لتروي كل القرى والأراضي المارة بها، بطول /152كم / وبعرض /60سم / وعمق /1م/ مغطاة بالأحجار المستطيلة الكبيرة، مجرى القناة من الداخل مطلي بمادة الكلس والقصرمل غير النفوذين، وأقيم لها /12/ جسراً، وتدير أثناء جريانها نحو /12/ طاحونة، تروي القناة مدينة أفاميا، وعلى الرغم من خرابها لازالت شاهدا على عظمة بناتها .
ختاماً:
أكثر من /100/ موقع أثري وعدد كبير من التلال الأثرية، تدل على عراقة التاريخ
وعبق الماضي، منتشرة بمدينة سلمية وريفها، تدخل بعالم النسيان من الجهات المعنية، وتحتاج لاهتمام كبير ورعاية ودعم، لإعادة تأهيل وصيانة وإظهارها بشكل يليق بأصالة وعراقة المدينة، لاستقطاب الزوار والسياحة، والضرورة لإقامة متحف يضم آثار المدينة الموجودة.
حـسان نـعـوس