تشتهر مدينة حماة بحمَّاماتها الأثرية القديمة التي كانت تستمد مياهها من نهر العاصي، ويُعد حمام «الدرويشية» من أعرقها وأكبرها وما يزال يقدّم خدماته، لاسيما لمن يقصده بغرض التمتع بالاستحمام على الطريقة الفلكلورية السورية، في بناءٍ ذي نمطٍ معماريٍ مميزٍ، ضارباً جذوره في صدر الزمن.
تاريخ بنائه..
يعود تاريخ الحمّام إلى الثلث الأول من القرن السادس عشر الميلادي، إذ بناه القاضي محمد الأعوج، يقول مدير الحمَّام : إنَّ تاريخ الحمَّام يعود «إلى ثلاثينات أو أربعينات القرن العاشر الهجري».
كذلك «كان يُسمى حمَّام الجديد آنذاك، أهداه فيما بعد الأمير حسن الأعوج إلى المتسلم التركي الذي خلفه درويش باشا، فعُرف بحمَّام الدرويشية نسبةً إليه».
ويقع الحمَّام في شارع المرابط بجانب زقاق سوق الصاغة، وتبلغ مساحته حوالى /600/ متر مربع، فيما يتركز بناء الحمَّام على أربع ركائز فارغةٍ، وهي من عجائب فن البناء والهندسة المعمارية في الفترة العثمانية.
كما يتألف الحمَّام مثله مثل باقي الحمَّامات من حيث التصميم المُتعارف عليه والمتعلق بالفنّ الإسلامي، وهو الأقسام الثلاثة «البراني، والجواني، والوسطاني».
تصميم عمراني..
كما يصفه مديره من الداخل بأنَّ القسم البراني واسعٌ يقوم على أربع أواوين (إيوان)، تحيط بمصاطب حجرية لجلوس الزبائن، ترتفع فوقه قبةٌ، ويضيف أنَّه «في هذا القسم باب يؤدي إلى الوسطاني، ومكان مخصصٌ لجلوس قيّم الحمَّام الذي يستلم الأُجرة بعد خروج الزبائن من الحمَّام، وفي الوسط بركة ماءٍ، والأرضية منقوشةٌ بأشكال هندسية جميلة».
أما القسم «الوسطاني» فهو مايشبه «البراني»، ولكن أصغر حجماً، كما يحوي أربع مقصوراتٍ واسعةٍ ذات سقوف مرتفعةٍ، ومضيئة لأن فيها قطع من الزجاج ينفذ النور منها، وفي كل مقصورةٍ جرنٌ كبيرٌ، وفيه بابٌ يؤدي إلى دهليز ضيقٍ ملتوٍ يؤدي إلى القسم الجواني.
بينما القسم الجواني، هو «قسم حارٌ وواسع تقع حوله مقاصير وأواوين متعددة تحوي تقريباً على /13/ جرناً، ويبلغ عدد المقاصير /6/ والأواوين /7/ وفي باحته أرض محدّبةٌ تسمى بلاط النار، وهي حارة والدخان يتصاعد منها».
طقوسه وحفلاته
ما زال الحمَّام يحافظ على غاياته الاجتماعية العديدة، إذ تُقام فيه الأعراس والمناسبات الاجتماعية المختلفة.
فعن طقوس الاستقبال «بمدخل الحمَّام يستقبل الريس الزبائن بوجهٍ مبتسم، ويوصلهم إلى القسم البراني ليستمتعوا بشرب الشاي وبالتالي يعطيهم المئزر الذي هو اللباس التقليدي ثم يدخلون إلى القسم الجواني الذي هو مكان الاستحمام».
في هذا القسم يوجد شخص يسمى المكيّس، وهو مسؤول عن قسمه، إضافة إلى المشحّط وأجير الأرضية، إذ إنَّ هذه مسميات خاصة بالحمَّام، وكل واحدٍ من هؤلاء له مهمةٌ مع الزبون
«بعد الانتهاء من الحمَّام يخرج للقسم الوسطاني يتناول بعض المشروبات، وبعدها للقسم البراني حيث تكون الضيافة، وعند الوداع يأخذ الزبون أماناته الموجودة في صندوق الأمانات» وفق ما شرح صاحب الحمَّام.
كما تُقام حفلات الأعراس والحناء للعروس، والطهور للأطفال، وطقس النفساء، فعندما تنهي مدة النفاس، كانت يجب أن تحضر لحمام السوق، وتُعد هذه الطقوس مصدراً للتنفيس والتمتع بالراحة وليس للضرورة.
ويقول الموثّق عبد العزيز الشمالي عن ذكرياته بزيارات الحمَّام «كنت أرافق والدي في الصغر للتمتع بتلك الطقوس كرحلة استجمام، وأشهد بأنَّه من الحمَّامات العريقة المعروفة بحَسن الخدمة والاستقبال للزبائن».
إعادة ترميمه
بقي هذا الحمَّام يعمل طيلة /500/ عام أي حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي، ومن ثم أُغلق وبقي مهجوراً عشرون عاماً، إلى أن أصبح بملك الحاج عبد المعين الشوّاف منذ عام 2000، وقد اشتراه من آل قاسم آغا.
ظل طوال فترة الحرب مهملاً وتآكل الكثير من أقسامه ومرافقه، قبل أن تضع محافظة حماة بالتعاون مع وزارة السياحة ومديرية آثار حماة خطةً لترميمه عام 2017.
إضافة لحمَّام الدرويشية والذي يسميه البعض بحمَّام الشوّاف نسبة إلى مالكه الأخير أيضاً، والذي يوفّر ملتقى لمحبي الفلكلور والتراث والطرق التقليدية في الاستحمام.، هناك حمَّامات أخرى قيد الاستثمار والخدمة وهي (حمَّام الأسعدية – حمَّام العبيسي – حمَّام الحلق – حمَّام السلطان- حمَّام المؤيدية – حمَّام العثمانية).
ياسر العمر
المزيد...