مع الرحابنة .. منصور و عاصي الثلاثي الذهبي .
سألتك حبيبي ! لوين رايحين
خلينا خلينا … وتسبقنا سنين
إذا كنا ع طول
التقينا ع طول
لليش منتلفت خايفين
أنا كل ما بشوفك . كأني بشوفك لأول مرة حبيبي
بهذه الأغنية الفبروزية الرائعة من أعمال الثلاثي الذهبي نفتح ملف فيروز و الرحابنة الفني الواسع ..
فيروز : ( نهاد حداد مواليد 1935 ) المطربة ذات الصوت المخملي التي صفق لها كل أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج منذ بداية مسيرتها الفنية ، يوم ارتباطها بعاصي الرحباني عام ( 1955 ) وحتى هذا اليوم .. قالوا عنها فيروز سيف الغناء اللامع، وهذا رأياً علمياً وصريحاً عن فيروز وصوتها فهي إنسانة متفردة صوتاً ، وتمثيلاً وهي فنانة مجتهدة بكل معنى الكلمة , تحترم جمهورها ، وتخلص لعملها بصورة مثالية , أما عن صوت فيروز فهو من أوسع الأصوات النسائية من حيث الطبقات الصوتية وهو يزداد حلاوة عاماً بعد آخر .
واما مساحته فهو يتنزه بين ديوانين ونصف من السلم الموسيقي دون استعمال الصوت المستعار وهذه ظاهرة صوتية متميزة . قد يتساءل مستمع أو عاشق لصوت فيروز من الذي التقى بالآخر ..؟
وهل الموسيقى ذهبت للصوت .. ؟ أو الصوت جاء للموسيقى .. ؟
وهل هذا مهم ألا يكفي أن يعتمد الإثنان ، ويكون الإبداع الفني الرائع المتعملق والشهادات في صوت فيروز من أهل الدار ومن خارجها أكثر من ان تحصى بعد أن تجاوز هذا الصوت الحدود والمفازات وليس غريباً أن يزحف إلى مدرج بصرى الأثري في سورية ( خمس وسبعون ألف إنسان ) ليستمعوا إلى ذلك الصوت المتميز الذي راح يصدح على مدرج بصرى الكبير في مهرجان بصرى عام ( 1985 ) بأجمل الكلمات وأرقى الألحان ..
شآم أهلوك أحباب موعدنا
أواخر الصيف .. آن الكرم يعتصر
هكذا التقى الصوت مع اللحن ، وكان علامة مميزة في مسيرة الفن العربي المعاصر .. هذا الفن الذي يتجسد الأغنية وفي القصيدة .. فيجسد حكاية نابعة من حياة الناس من همومهم .. وأفراحهم .. مآتمهم ، وأعراسهم ، من اخبار معاركهم لقد شكل الثلاثي الذهبي فيروز والرحابنة الوجود الفني المتجانس المتلاحم على صعيد الأغنية العربية أو على صعيد عمل فني هام ، فكان لهم مواسم صيفية ينتظرها جمهورهم بل العالم العربي بأسره ينتظر من فيروز ما هو الجديد .. والأحلى فمسرح معرض دمشق الدولي في كل عام وصيف ، يفتح ذراعيه ليحتضن بحب وشوق فيروز والرحابنة وفرقتهم الموسيقية . بشموخ وثقة .. لتقول لدمشق
وتحييها بأحلى الأشعار وأعذب الألحان منشدة :
يا شام عاد الصيف متئداً .. وعاد بي الجناح
صرخ الحنين إليك بي .. أقلع ونادتني الجراح
وعليك عني يادمشق .. فمنك ينهمر الصباح
أعمال الرحبانيون كثيرة جداً خلال مسيرتهم الفنية الطويلة .. ألف عمل فني وخمسون عاماً من العطاء توزعت بين أغنية .. ومسرحية .. واسكتش وموسيقى .. وسينما . وقد سعى عاصي الرحباني ومعه منصور إلى إعطاء الأغنية نكهة مختلفة وهوية مخالفة لدربهم الفني , فكان هدفهم تغير في المفهوم الشعري والمفهوم الموسيقي . من القتامة إلى الإشراق ، ومن البكاء في الحب إلى الفرح ، لقد تعمق الرحبانيون في دراسة الموسيقا الشرقية والغربية ويمكننا تلخيص ما قام به الرحبانيون في خدمة الأغنية العربية بما يلي :
1 ـ قيام مدرسة فنية تقف على قدم المساواة مع المدرسة المصرية التي تنهل ألحانها من ديار الشام .
2 ـ إعطاء قالب الأغنية الراقصة مفهومها الحقيقي وعدم الجنوح في إيقاعاتها الراقصة بهدف التطريب وهو الأمر الذي لم تتخلص منه المدرسة المصرية حتى الآن .
3 ـ إحياء التراث الشعبي بإسقاط معاصر ، دون المساس بجوهر وأصالة الألحان الأساسية.
4 ـ إحياء التراث الكلاسيكي لفن الموشحات والقيام بتلحين بعض الموشحات الأندلسية بنوعيها الشعري ، وجعلها تتحدث بلغة العصر كما في موشح جادك الغيث .. إذا الغيث هما.. / .
5 ـ تقديم بعض أعمال سيد درويش العاطفية والهادفة بعد إخضاعها للعلوم الموسيقية البسيطة ، ونشرها على نطاق واسع لتعريف الناس بها والتأكيد على الأعمال الخالدة , تظل حية أبداً مهما أعفلها النسيان أو تعمد أهل الفن إهمالها لأغراض خاصة حتى يطويها النسيان..
6 ـ استخدام الآلات الغربية التي تنسجم مع الموسيقا والغناء العربيين على نطاق واسع و بإتقان فائق جميع الذين استخدموها من قبل .
7 ـ إحياء فن المسرح الغنائي وتقديم عدد كبير من الأعمال المسرحية الغنائية الهادفة وتعتبر هذه المحاولة من أكبر الأعمال التي قام بها الرحبانيون إذا ما كان لهذا المسرح الذي تألق أيام أبي خليل القباني لولا محاولة الرحبانيين الجادة ..
كان للأخوين الرحباني ( عاصي ومنصور ) الفضل الأكبر في إظهار الفن العربي بصورة مبدعة خالدة كهذه الصورة ، والظاهرة الإبداعية للقرن العشرين ففيروز الأداء .. و الغناء.. والصوت .. وعاصي ومنصور اللحن والكلمة و التنسيق …
كلمة أخيرة … هكذا يبقى صوت فيروز حدثاً حضارياً في تاريخ وجودنا لأنه تابع من معنى استمرار الحياة , ومعناه استمرارنا نحن ، وصديق حميم لفنجان قهوتنا الصباحي .. فكل صباح . وصوت فيروز .. وفيروز بخير …
تأليف: جان ألكسان
الرحبانبون وفيروز ألف عمل فني .
اكثر من خمسون عاماً .. من العطاء .