بعدَما غفَتْ الشمسُ في أحضانِ الموجةِ وراحَ القمرُ يسامرُ النَّجمةَ على رصيفِ دربِ التبانةِ. وتابعَت الكواكبُ دورانَها في مداراتِ العشقِ وعانقَ الدُّبُ الأكبرُ نَجمَ سهيلٍ وبينَما تَجدِلُ الزُهرَة ضفائرَهَا وهي ترنو للثقبِ الأسودِ علَّها تبصرُ فارسَ أحلامِها ينبثقُ من غياباتِ البُعدِ وكلُّ الكواكبِ تسبحُ أزواجاً أزواجاً في مدارتِ اللانهايةِ والسَّماءُ تُزينُ حُلكَةَ ليلِهَا بكوكبٍ درِّيٍ وتهيءُ نفسَهَا لترَوادَ أديمَ الأرضِ ككلِّ فجرٍ وتنطَلقُ الشهبُ إيذاناً ببدءِ مراسمِ اللقاءِ أجلسُ وحيداً أعانقُ لهفتي وأُعاقرُ أشواقي وأسامرُ وحدَتي وأغرقُ وروحي في تفاصيلِ الذكرياتِ وأشتَمّ عبقَها في محاولةٍللبقاءِ على قيدِ المحبةِ. هاهي الساعةُ تشيرُ إلى “الوحدة إلا أنتِ ” بعدَ منتصفِ العمرِ.! يُعَسعِسُ الليلُ فيكسر جدارَ الصمتِ فيكون ثالثَنا . أجلسُ قُبَالةَ “الوحدة إلا أنتِ ” ويَلفُنا الليلُ بعباءته عقاربُ السَّاعةِ تلدغُ المللَ فتصيبُهُ في مقتلٍ. يقتربُ موعودُ لقائِنا فيغلي الشوقُ على نارِ الانتظارِ وتفورُ لهفَتي معَ كلُّ فورةٍ من فوراتِكِ. وتتصَاعدُ رائحةُ عطرِ اللقاءِ ويتنفسُ الصبحُ أريجَكِ فتنتعشُ رُوحي وتستيقظُ أحلامي بكلِّ همةٍو نشاطٍ. على الشرفةِ قطراتُ الندى تُقبّلُ وجنةَ الصباحِ وتنسحبُ بهدوءٍ لتغفو بينَ أحضانِ الجوريةِ البيضاءِ. كرسيان يجلُسانِ متقابلَين يتناجيانِ فتسمعُ الجوريةُ نجواهُمَا فتحمرّ خجلاً ينسحبُ الليلُ و “الوحدة الا أنتِ” رويداً رويداً ..! تداعبُ أشعةُ الشمسِ سُمرةِ لونِكِ لتنعكسَ حمرةُ الخجلِ على كلِّ الأشياءِ يتصَاعدُ عبيرُكِ ليدغدغَ مشاعري فترتَعشُ أناملي وتتصَاعدُ أنفاسي وأنا أقتربُ منكِ أكثرَ فأكثر وما أن تمسَّ شفتايَ ذاكَ الثغرَ وأرتشفُ أوَّلَ رشَفاتي حتَّى تتسارعَ نبضاتُ قلبِي وترفرفُ روحي وتدبّ الحياةُ في عروقِي من جديدٍ وتغادرني “الوحدة إلا أنتِ ” بعدما كادت نيرانُ الغيرةِ تلتهمُ “كرسيَّكِ الفارغَ إلا من عطرِكِ” إلى إشعارٍ آخر وأتابعُ بكلِّ لهفةٍ ارتشافَكِ يامؤنستي السمراء حتَّى تتسللَ خلسةَ رائحةُ البنّ إلى كلِّ خليةِ من خلايا جسدي عبرَ مساماتِ جلدي فأشعرُ بقشعريرةٍ تسري فيه وترفرفُ روحِي عالياً في رحلةٍ للبحثِ عن طيفِكِ في التوقيتِ ذاتِهِ ككلِّ صباحٍ أنا وفنجانُ قهوتِي الصباحيِّةِ و”الوحدة إلا أنتِ”…!
د. عبد الرزاق قبا خليل