دخلت غرفتها واليأس والقنوط يدثران أعطافها ..جلست على كرسيها تفكر..وتستعيد من جعبة الذاكرة كل ما مر معها قالت تحدث نفسها:عشت الحياة دون أن أختبرها لأني كنت أتعامل معها من خلال عالمي الداخلي الموشى ببياض الطيب والصدق والصفاء هذا العالم الصامت تمدد وكبر بين رعشات الصبا وبين امتداد حروفي أتوغل بين الأمنية والحلم وأحترق بينهما،وطاقة الحلم لاتحترق ولا تهمد ،أهيمُ في بحار المعرفة وأتمشّى بين ساحات الكبت وأنتشي بفعل التضحية والخير والإنسانية كظلال قريتي المغسولة بالصفاء أرى طيفك أمامي..ودخان تبغك يخفق بصمت وفنجان قهوتك كأنفاس الياسمين إنها تدعوني لأعود إليك . _لماذا أعود بعد رحلة معاناة معك..وكفاح طويل في السنوات المتثاقلة حولي؟.. _لماذا أعود كابنة الخامسة عشرة أو العشرين لأحيا معك زمنا مكثفا تحمله سنواتي وسنواتك _أحبك يا رجل!_أسمع هديل قصائدك في قلبي ،يتدفق يغمرني ويتوجني عصفورة للشعر ويبعثني طفلة فأنسكب فيك ثم أتهادى في بحيرة داكنة أذوب في خوف لأني أحببتك. أتريد أن تعرف من أنا ..ومن أكون..!. أنا أنثى انبثقت من الطبيعة في ريف جميل سكنت المدينة لظروف اضطرارية باشرت العمل صغيرة كبرت مع المسؤولية تمردت على المرأة الضعيفة في داخلي بدأت القوة تنمو في أعماقي فتخطيت كل معاناة وكل مستحيل ..أعبر ممرات الحرية ،وحين أصطدم بالواقع بالمجتمع كأي فتاة شرقية أعبر بحروفي وبموقفي عن كل ما يحد من انطلاقاتي وآمنت بالقول. تزوجت لمعايير اجتماعية فرضتها الحياة وأدركت أني قد أخطأت الاختيار .وتحملت مسؤولية اختياري بصمت . وبعد مدة وجيزة من زواجي هجرني زوجي لأنه يرغبني لعوبا أفعى تتلون وتتغنج بأساليب الإغراء المفتعلى ولأني أجهل لغتها . أهملني كغرسة في أرجاء منزله القاتم وماذا تستطيع ان تفعل المرأة الشرقية التي لم ترضِ رغبات الزوج وترضخ لأهوائه . ذات يوم..ولم ارغب أن أذكر ذاك اليوم حدقت في وجهه الغامض القاسي وهو يعانق امرأة أخرى .سمعت صوتهما.. همساتهما انتفضت مذعورة وتساءلت:_أأدفع ضريبة الإخلاص لأني امرأة .إذن لِمَ منحني هذا الزوج لقب زوجة .وأم !! اقتربت منهما وصرخت من أعماقي: كانت خدعة بارعة منك عندما تزوجتني ولن أستسلم لأصابع القدر والأخلاق والشرف المتعارف عليها _هل بدأت أحبك يارجل.ويأتي السؤال: _وهل يحق لي وأنا متزوجة؟ويبقى القلب يتخبط في براكين الحيرة: ألست إنسانة مثله ؟ إذن ..نحن متبادلان في الإنسانية سواء كنت أنثى أو كان رجلا . كيف يفهمني العالم أني أحب بلا فعل إرادي!ومات الوعي وانزاح المنطق ولكنه يرمقني غاضبا: أنت أنثى أنت متزوجة أنت أم. كيف أهرب من هذا الصوت الجارح ..وكلماتك ..وقصائدك حولي أريد أن أهرب منه ومنك . أتحسس الأسى الذي يسري منسالا على وجهي وعروقي_ولكني أحبك يا رجل_أرى وأرتعد..فملايين العيون ترمقني وتنبهني. أنت مجنونة ..إنها خيانة ولكن هل فعل الخيانة طعنة المرأة وحدها والرجل حياته مبررة ومعترف بها.؟ تؤرقني أفكاري المحزنة كثيرا .أختلس النظر إلى وجهك لأرى إذا كنت تنظر إلي بصدق أم لا إذا كنت تستطيع أن تفهم معاناتي وأن تعيدني إلى إنسانيتي الحقة كل ذلك تستطيع أن تحس به معي لو لم تكن رجلا هل تستطيع أن تتجرد من ذكورية الشرق. لكنك من الشرق البائس الذي يدين المرأة بلا رحمة..؟وحين يهدأ الحب وتذبل العاطفة ستصرخ بي _أنت خائنة أنت التي أحبت هذا الأرق الممزق من التفكير أبعدني عنك ووجهي الحقيقي يذوب حبا بك لن تراه ،لأني هزمت أمام نفسي ،والجحيم الحقيقي الذي أحياه هو أني عرفت نفسي وعرفتك. فتحت باب الغرفة ابنتي الصغيرة قادمة من المدرسة نظرت لوجهها القمري المدور وعينيها الزرقاوين تشعان براءة وجمالا. قالت وهي تضحك فرحة تحمل جلاءها المدرسي: أمي ..أمي.. أنظري نجحت إلى الصف الثاني وأنا متفوقة أمي. وجودها ..وضحكتها وكلماتها..وحدها أسدلت الستار على ذاكرتي وقلبي وتفكيري وعلى كل ما مر معي ،تمتمت وأنا أضمها لصدري.. ليتني ما وجدتك، حتى لا أسطر كل يوم سطرا من تعاستي /اعذرني!/.
رامية ملوحي.