ماذا لو أنّ الإنسان يولد آلافاً من المرات؟.. ماذا لو تعدّدت شخصيّاتنا لآلاف من النسخ المختلفة؟ لن أفوّت فرصة أن أكون طبيبةً في الثانية الأولى.. مهندسةً مابعد العشر ..ممثّلةً بعد مضيّ ساعة وعازفةً في اليوم التّالي… ماذا لو تلوّنت أعيننا بجميع الألوان؟… وخضنا تجربة أن نكون قصيري القامة حيناً..طويلي القامة أحياناً أخرى؟… ربّما متوسطي القامة في المرّات القادمة… لو عملنا بجميع أنواع المهن واتّصفنا بجميع الصفات؟ وما المانعُ في أنْ نولد فقراء ونحيا في كوخ خشبيّ قديم وملابس ممزّقة في دورة حياتنا الأولى لنولد مرّة أخرى والثراء يضع على رؤوسنا تيجاناً من الذهب؟ إنّها فكرة دافئة أن تتاح للإنسان أن يعيش تجربة جميع سكّان الأرض…. ويخوض في جميع ما هو ممكن أو حتى مستحيل… ماذا لو لملمنا في قلوبنا الصّغيرة جميع المشاعر… فعانقنا الحبّ في ولادتنا الأولى.. والكراهية في ولادتنا الستين… والحنين والشّوق في الولادة بعد المئة… وهل سيكون ممتعاً لو كُتب في هويّتنا الشخصيّة جميع جنسيات العالم؟ فتصوّر مرآتنا صورنا المختلفة وألواننا المتدرجة… لمَ لا نحيا لمرّة واحدة بعرقٍ أسود…نجول وفي حقيبتنا المثقلة اختلافنا هذا؟…. هل سوف نتعايش مع هذا الاختلاف يا ترى؟… هل سنطيق تلك النظرات من حولنا؟… وفي مرّة جديدة… نحيا وبياض وجوهنا يضيء الثلج…وتلوّن زرقة أعيننا السّماء…تجدل خصال شعرنا خيوط الشمس وتسابق رشاقة أجسادنا أغصان البان…. أتساءل في نفسي عن شعوري حينها؟ وربّما لن ننسى تجربة أن نكون دمية تعانقها أنامل الأطفال النّاعمة… أو حتى وردةً تزيّن المنازل وتُهدى في كل عيد ورد ..
وأظنّ في خيالي أنّه لو أتيحت جميع تلك الفرص ودورات الحياة المختلفة لكلّ إنسانٍ يقطن في أحشاء تلك الكرة الأرضية اللّعينة لاكتسبنا ما هو أثمن من الكنوز والمال… وأجمل من الجمال بعينه… أكثر نوراً من الشمس … وأجود عطاء من المطر … لكسبنا الإحساس بالآخر… لكسبنا أنفسنا…. أصدّق كثيراً مقولة «ما بحسّ بالهمّ غير صاحبو »… ومهما صعدنا بأنفسنا جبل الإحساس والرّحمة فنحن فعليّاً لا نشعر بالآخر إلاّ في حالةٍ واحدة…. نحن نشعر بالآخر عندما نراه مرآةً لأنفسنا.. أو نرى فتات قلوبنا متجذّراً في لمعة عينيه الحزينة.. باختصار نحن لا نشعر سوى بأنفسنا ونحزن فقط على ما قاسيناه ووجدناه بين ثنايا شخص آخر… فلو ولدنا آلاف المرّات… وقيّدتنا جميع تلك التجارب بأغلالٍ من المشاعر… ورسمت الحياة على شواطئ قلوبنا شتّى أنواع الأثر … لما سكنت الصّخور صدور البعض. الصخور في داخلنا جميعاً ولكن نحن من نقررّ مصيرها.. فإمّا تخضع لرياح الزّمن وتسمّى قلوباً تضخّ الدمّ والحبّ وتكاد أن تكون بصيرتنا العمياء… وإمّا ترجم الزّمن ببعض من فتاتها وتثقل الصّدور وتبقى صخوراً … ربّما صخوراً بركانيّة حتّى… لنولد آلاف المرات في دورة حياةً واحدة… لتتصافح قلوبنا…لتتشابك أيادينا… وإن كانت الولادة مرّة أخرى خياليّة بعض الشّيء … فلنعش ذلك الحلم افتراضيّاً .. لتولد أرواحنا مرّة أخرى… نعم بإمكاننا الولادة مرّة أخرى.. بإمكاننا ولآلاف المرّات.
لارا صيموعة