دائماً نطلق صفة العبقري أو المبدع على الشخص الذي يمتلك قدرات غير عادية في أي عمل يقوم به بحيث تكون نتائج أعماله ملفتة للنظر وتدعو للإعجاب الشديد مما يجعلنا نتساءل بيننا وبين أنفسنا عن سبب هذه القدرة العجيبة التي أوصلته إلى هذا النجاح.. كيف يفكر؟.. وكيف يستطيع تطبيق أفكاره لتغدو حقيقة لا يستطيع خلقها وتجسيدها إلا هذا العقل المبدع والعبقري.. عزيزي القارئ.. هل تعلم أن كلمة (عبقر) عند العرب القدماء تعني (موطن الجن) وهذا يعني أن أي عبقري هو موظف من قبل قوى خفية تحركه وتساعده على طرح أفكاره وأعماله وترجمتها إلى حقيقة مثيرة للإعجاب والدهشة، ومن هذه التفرعات جاء مانسميه (الوحي) ليكون الجندي المجهول لأي عمل إبداعي عبقري وصاحب البصمة الأكثر دهشة وإثارة في أي فكرة غريبة ناجحة. الوحي أو الشيطان أو الإلهام ومايشابهها في المعنى هي جميعها تعابير مهما تعددت وكثرت فإنها لا تشير إلا لشيء واحد وهو القوة الخفية التي صنعت عمل إبداعي، كما أنها قديمة جدا حيث نجدها بكثرة في أفكار الفلاسفة الإغريق واليونان، فأفلاطون مثلا لديه وجهة نظر خاصة ومشهورة عن الإلهام فيعتبر أن المبدع يكون في نوبة جنون يغيب عنها العقل تماما فيبدع بتدبير إلهي دون علم بما يفعل وبذلك يربط إبداعه بالجنون والهوس. والإنسان العربي أيضا كان يعتبر منذ الأزل أن أي عمل خلاق هو غير قابل للتفسير ويفوق الطاقة البشرية فرأى أن مع كل شاعر -على سبيل المثال- شيطان مرافق له يملي عليه الشعر فيقوله، حتى أن أعظم وأشهر شعراء العرب تحدثوا عن شياطينهم لا بل وأطلقوا عليها الأسماء، فالشيطان الشعري المرافق لامرئ القيس اسمه (لافط بن لاحظ) هو الذي منحه شعرا تعجبت منه العصور، و (مسحل) هو شيطان الأعشى وينطق بلسانه، و (هاذر) صاحب النابغة وهو أشعر الجن وأضنّهم بشعره، و (مدرك بن واغم) يستنبغ صاحبه الكميت، ويذهب كل من الفرزدق وجرير إلى أبعد من ذلك في الطرافة والغرابة فكل واحد منهما يثبت للآخر أن شيطانه الشعري هو إبليس الأباليس. وأنت عزيزي القارئ ؟.. أين تجد شيطانك؟ وما العمل الذي يتقنه لتغدو أنت نجما في سماء الإبداع؟..
كنانة ونوس