ما أن تنتهي من صعود الدرج حتى تدلف من ممر ٍضيق إلى مبنى جريدة الفداء وسط شارع 8آذار الأكثر شهرة في مدينة حماة، كان ذلك في الثلث الأخير من الثمانينيات من القرن الماضي ، المبنى عبارة عن شقة سكنية …..غرف صغيرة تضيق بالعاملين فيها وبالكاد تستطيع المرور بين المكاتب ، اذكر من المحررين. الذين عملوا في الجريدة ، الراحل رياض محناية، سليم الشامي، ، عطية الحسين، رضوان السح، علي عباس، محمد خبازي، علي عادلة، إبراهيم الشعار، غزوان سعيد، توفيق زعزوع، توفيق ضعون، ايدا المولي، ،سرحان الموعي، نصر صطيف ، عهد رستم، نصار الجرف، فهيم اليوسف، فيصل محمد ….. وعذراً ممن لم تسعفني الذاكرة من استحضارهم الآن ، كانت الجريدة تصدر مساءً بأربع صفحات فقط، بدأت النشر في صفحة الثقافة ، ثم في صفحة التحقيقات والأخبار المحليّة، والصفحة الأخيرة، تعرفت على الجميع من (ابو متعب) حتى رئيس التحرير الأستاذ محمد المصطفى (أبو مصعب) ، بهدوئه المعتاد ودماثة خلقه، رحب بي ترحيباً حاراً وأثنى على موادي الصحفية وشجعني بنشره المواد التي أرسلها للصحيفة، إنطلقت في عملي الإعلامي من مبدأ أن الكلمة مسؤولية ويجب أن تكون في خدمة الناس والمجتمع ،في كل ما نشرته من تحقيقات وشكاوى خدمية كانت الحقيقة والمصداقية اهم ما أستند إليه، كنت ارى أن المعلومة الدقيقة تعطي نتائج إيجابية، لم ارسل مادة إلا ونُشرت وأحيانا يُنشر لي في العدد الواحد أكثر من مادة، لقد وجدت في الفداء اسرتي التي أُحب، كنت ارسل المواد بطرق عديدة ،إن كانت المادة لا تحتمل التأجيل أسلمها باليد في الجريدة ، وإن كانت مواد عادية ، أرسلها بالبريد العادي ،لم انقطع عن مراسلة الجريدة حتي وانا في دمشق أثناء تأديتي الخدمة الإلزامية أو أثناء عملي مدرّساً في كفير يابوس، نشرت في صفحات الجريدة كافة ،وكان جل إهتمامي تقديم مادة مفيدة وممتعة للقارىء، كتبت في الصفحة الرابعة زاوية (مسافر على الورق) و( بعد التحية) و(حكاية من التراث) ، في صفحة التحقيقات والأخبار المحلية كان لي مساحة تحت عنوان (من جعبة محرر جوّال) ،إضافة إلى رسائل المناطق. في صفحة الثقافة كتبت زاوية مدارات ونشرت عشرات بل مئات القصائد و عشرات الحوارات واللقاءات مع أدباء وفنانين وموهوبين، وسلطت الضوء من خلال قراءات أدبية نقدية لمختلف ما تقدمه المطابع من كتب ومجموعات شعرية وقصصية وغيرها من نتاجات … كانت الفداء نافذتي الفسيحة والمفتوحة على المدى، ابث من خلالها ما اريد قوله وإيصاله للناس بكل يسر وشفافية … تشاركنا جميعاً في رحلة البحث عن المتاعب، كانت تغمرنا السعادة عندما نجد الآثار الإيجابية لما نكتبه وننشره على صفحات الجريدة. محررون كبار البعض منهم انتقل إلى دنيا الحق مثل عارف حوراني والبعض ما زال يعطي ويبث من روحه وفكره الكثير الكثير … وممن تعرفت عليهم محاسب الجريدة امين ميرزا بنظارته وهدوئه وكياسته وكان يكتب بعض المقالات من حين إلى آخر …. في الطابق الارضي تتوضع مطابع الجريدة، وبالرغم من ضعف الإمكانات وقدم الآلات كان القراء على موعد مع الفداء لتقدم وجبة ثقافية معرفية إضافة إلى خدمات منوعة تضمها الجريدة وتقدمها بفرح للناس … كتّاب وأدباء، مفكرون وباحثون، أساتذة جامعات وجدوا في الفداء مساحات رحبة لنشر أفكارهم ورؤاهم، عبر صفحاتها المنوعة فكانوا رافداً حقيقياً لأنهر المعرفة التي لا تنضب، اذكر منهم الشاعرين الراحلين رضا رجب، عز الدين سليمان. نزار نجار، الدكتور موفق ابو طوق ، د.موفق السراج، حنان درويش، فاديا غيبور، د.راتب سكر ،أحمد ذويب الأحمد، د. سعد الدين كليب ، د .إلياس خلف، د .وليد سراقبي، حسن صيادي، و… وغيرهم من ادباء وكتاب كان لهم حضور مميز على صفحات الفداء ،وما زال البعض ينثر طيب حروفه على صفحاتها.. اكثر من ثلاثة عقود وانا انتظر كل صباح إشراقة جديدة للفداء، إنتظار المحب ، الذي يوزع حروفه، كلماته ،صوره على مساحات تنبض بالحياة … في عام 1997اصبحت الفداء تصدر صباحاً وبثماني صفحات … تعاقب على رئاسة تحرير الفداء بعد الاستاذ محمد المصطفى كل من الأساتذة: محمد بسام الصواف، نصر صطيف، حسين يوسف عباس ، سرحان الموعي، عبد اللطيف يونس.. وبسبب غياب الظروف الموضوعية وانتشار الإرهاب في مناطق المحافظة توقفت الفداء عن الصدور ورقيّاً في 2012/3/28 واستمر ذلك اربعة أعوام لتعاود الصدور في 2017/1/22 بحلّة جديدة وطباعة ملوّنة، تطورت الفداء شكلاً ومضموناً، تم إضافة زوايا جديدة في مختلف الصفحات ، تواكب مع تطور في الطباعة والإخراج والألوان واستمرت الفداء في استقطاب اقلام أصبح لها حضورمميزفي المشهد الثقافي والأدبي ، كما شهدت قفزات نوعية بإدارة رئيس التحرير الأستاذ عبد اللطيف يونس تجلت في النوعية والكم فازدادت اعداد الجريدة واصبحت توزع في مناطق المحافظة ،حيث كانت تصدر الكترونياً فقط دام لسنوات بسبب الإرهاب التكفيري الذي عاث فساداً وخراباً في بعض مدن وبلدات المحافظة وطال البشر والشجر والحجر … وضمن الإجراءات المتخذة للحد من انتشار فايروس كورونا قرر الفريق الحكومي منتصف آذار عام 2020 وقف إصدار الصحف ورقياً في القطر، واستمر صدور الفداء الكترونياً وساهمت بشكل فاعل في نشر التوعية لمخاطر انتشار الفايروس من خلال زوايا ومقالات ولقاءات مع أطباء مختصين لشرح طرق الوقاية واهمية الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة. بقيت الفداء صوت الناس ونبضهم الذي لا يتوقف، ولسان حالهم، تنطق باسمهم ، تنقل معاناتهم، صوتهم بجرأة إلى الجهات المعنيّة شعارها دائماً الكلمة المسؤولة من اجل الوصول إلى الحقيقة والتي هي البوصلة والهدف… هي حكاية عمرها يزيد عن ثلاثة عقود ….حكاية نابضة بالحب والحياة، مدادها الحرف والكلمة، ننثرها على صفحات ٍبيضاء لتتحول إلى لوحة مطرزة بأجمل الألوان …
*حبيب الإبراهيم