استغلَّ الخوفُ اشتياقي في تلك الّليلة وهاجمَ لحظاتِ انفرادي في المنزل في وقتٍ ذهبيٍّ احتمَتْ فيه ابتسامتي وراءَ كرسيَّي الوجنتين حين انشغلَتْ أصابعي ببحثٍ مستميتٍ على ألبوم صورٍ لمعشوقي كنْتُ قد احتفظْتُ بها لاستخدامها وقت الحاجةِ إليها كما هذه الّلحظة علّها تمدُّني ببعض القوّة.. ما زال الخوفُ يعبثُ بعضلاتِ وجهي ويمتطي أطرافي ويتزحلقُ على ظهري ويتأرجحُ بقلبي كلّما ازدادَ صريرُ المفتاح الّذي يحاولُ صاحبُه جاهداً فتح باب منزلي به.. يزدادُ رعبي مع فشلي في العثورِ على الصّور، أحاولُ قدْرَ عشقي أن أستحضرَ كلماتِه قبل سفره:(ـ لا تبقي وحيدةً في المنزل، اقصدي عائلتي أو عائلتك وابقي لديهم حتّى عودتي). أسألُه وأنا أوزّعُ عطرَ يديّ على مساحةِ سترته:(ـ وكم يوم سيطولُ غيابُك هذه المرّة؟).. يبتسم وهو يحاولُ أخذَ قرطي من أذني وأنا أمنعُه:(ـ خمسةُ أيّام).. أعضُّ يده عندما ينجحُ في فكّ القرط بينما تغضبُ عيناي:(ـ وما حاجتُك للقرط؟). يشمُّه أمامي وهو يقول:(ـ سيكونُ مخدّري قبل النّوم).. أهدأ ثمّ أقول:(ـ لن أذهب إلى أيّ مكان سأبقى في المنزل أنتظرُك). يضحك ثمّ يقولُ مازحاً:(ـ وإن هاجمتْك الوحوش؟). أقلّدُ ضحكتَه ولكنّه يكملُ:(ـ إن هاجمتْك الوحوش افعلي هكذا) ثمّ يحرّكُ يديه كما يفعلُ لاعبو الملاكمة بطريقةٍ حفظتُها فوراً وانطبعت بذاكرتي وكأنّه أمامي الآن يتمثّلُ بها.. يزدادُ صرير المفتاح قوّةً ويزدادُ معه خوفي، أحاولُ الإمساك ببعضي وأنا أردّد:(ـ أين أنت؟ أين أنت؟).. يبدأُ الباب بالاهتزاز.. سيتحطّمُ بسهولة.. سأكون عشاءً لذيذاً للوحوش بعد ثوانٍ قليلةٍ.. لقد خُلِعَ.. البابُ خُلِعَ .. أقفُ بسرعةٍ لا أدري من أين أتت قوّتُها وأحرّك يديّ كما يفعل لاعبو الملاكمة لأجده أمامي وقد فعل الشّيء نفسه تماماً بينما ضحكته الّتي أعادت لي أماني وصوته الّذي أنعشني وخلقني من جديد يردّدان:(ـ لقد توقّعْتُ ما ستفعلين وتجهّزْتُ للدّفاع عن نفسي .. أنا أيضاً أخاف ُمن الوحوش).. ولا أدري في تلك الّلحظة أيّهما كان الأسبق للغوصِ في حضنه.. جسدي.. أم قلبي…..
القاصة كنانة ونوس